الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الخامس والسبعون وثلاثمائة» في معرفة منزل التضاهي الخيالي وعالم الحقائق والامتزاج]

و قال في الباب الخامس والسبعين وثلاثمائة، في قوله تعالى: كُلُّ حِزْبٍ بِمٰا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: 53] : اعلم أن كل جاهل متنعم بجهله بالأمور لكن لا يعلم أنه جاهل بها فإنه لو علم أن ثم علما خلاف ما يعلمه هو لأدركه التنغيص وما تنعم بجهله قط فليس كل حزب بما لديهم فرحون في الدنيا، وإنما ذلك في الآخرة، وأما في الدنيا فذلك في كثير من الناس لا في كلهم. وقال في قوله تعالى في المنافقين: وإِذٰا لَقُوا اَلَّذِينَ آمَنُوا قٰالُوا آمَنّٰا وإِذٰا خَلَوْا إِلىٰ شَيٰاطِينِهِمْ قٰالُوا إِنّٰا مَعَكُمْ إِنَّمٰا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ ( 14 ) اَللّٰهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: 14 - 15] : اعلم أن المنافق برزخ بين المؤمن والكافر فإذا انقلب تخلص إلى أحد الطرفين وهو طرف الكفر ولم يتخلص للإيمان إذ لو تخلص هنا للإيمان ولم يكن برزخا لكان إذا انقلب لا ينقلب إلا إلى اللّه في دار كرامته فما أخذ المنافق إلا بأمر دقيق لا يشعر به كثير من العلماء وقد نبه على ذلك بقوله: وإِذٰا لَقُوا اَلَّذِينَ آمَنُوا قٰالُوا آمَنّٰا [البقرة: 14] فلو أنهم قالوا ذلك حقيقة لسعدوا وكذلك قوله: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم أي: لو قالوا ذلك وسكتوا لما أثر فيهم الذم الواقع ولكنهم زادوا قولهم: إِنَّمٰا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة: 14] فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين فما أخذوا إلا بما أقروا به وإلا فلو أنهم بقوا على صورة النفاق من غير زيادة لسعدوا ألا ترى أن اللّه تعالى لما أخبر عن نفسه في مؤاخذته إياهم كيف قال: اَللّٰهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15] . فما أخذهم بقولهم إنا معكم وإنما أخذهم بما زادوا به على النفاق من قولهم: إنما نحن مستهزئون كما مر، وفي الحديث: «مداراة الناس صدقة» . والمؤمن يداري الطرفين مداراة حقيقة ولا يزيد على المداراة شيئا من الاستهزاء فيجني ثمرته، قال: فتفطن لذلك فإنه سر غامض في القرآن ووضوحه إخفاء وانظر إلى صورة كل منافق تجده ما أخذ إلا بما زاد على النفاق قال: فالمؤمن المداري منافق لكنه ناج وفاعل خير لأنه إذا انفرد مع أحد الفريقين أظهر الاتحاد به ولم يتعرض إلى ذكر الفريق الآخر الذي ليس بحاضر عنده فإذا انقلب إلى الآخر كان معه بهذه المثابة والباطن في الحالتين مع اللّه عز وجل، وقد قال تعالى لموسى وهارون: فَقُولاٰ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً [طه: 44] .

وذلك عين المداراة فإنه يتخيل في ذلك المقام أنك معه. قال الشيخ رحمه اللّه: ولما صح لي هذا المقام واتحدت بالملوك والسلاطين ما قضيت لأحد من الناس حاجة إلا من طريق المداراة ولذلك ما ردوا لي شفاعة في أحد قط وذلك أني كنت أبسط للملك بساطا أستدرجه فيه حتى يكون هو السائل في قضاء تلك الحاجة فيقضيها على الفور بطيب نفس لما يرى له فيها من المصلحة قال: ولقد كلمت السلطان الملك الظاهر بأمر اللّه بيبرس أبا الفتوحات صاحب حلب في حوائج كثيرة للناس فقضى لي في يوم واحد مائة حاجة وثمان عشرة حاجة ولو كان معي ذلك اليوم أكثر من ذلك لقضاه لي قال: ومن علم أن الحق تعالى مع الجبابرة لزم أدب الخطاب معهم وهذا عزيز جدا وأطال في ذلك.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!