الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الرابع والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل الرؤية]

و قال في الباب الرابع والسبعين وثلاثمائة في قوله: «هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي» ، اعلم أن الجنة دار جمال وأنس ومنزل إلهي لطيف وأما النار فهي دار جلال وجبروت فالاسم الرب مع أهل الجنة والاسم الجبار مع أهل النار أبد الآبدين ودهر الداهرين، وإنما كان الحق تعالى لا يبالي بذلك لأن رحمته سبقت غضبه في حق الموحدين وفي حق المشركين، ويكون المراد بالرحمة رحمة الإيجاد من العدم لأنها سابقة على سبب الغضب الواقع منه فلذلك كان تعالى لا يبالي بما فعل بالفريقين قال: ولو كان المراد بعدم المبالاة ما توهمه بعضهم لما وقع الأخذ بالجرائم ولا وصف الحق تعالى نفسه بالغضب ولا كان البطش الشديد فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ فلو لا المبالاة ما كان هذا الحكم فللأمور والأحكام مواطن إذا عرفها أهلها لم يتعدوا بكل حكم موطنه وأطال في ذلك. وقال في قوله تعالى: هُوَ اَللّٰهُ اَلْوٰاحِدُ اَلْقَهّٰارُ [الزمر: 4] : اعلم أن القهر عذاب ومن أراد أن يزول عنه حكم هذا القهر فليصحب الحق تعالى بلا غرض ولا تشوف بل ينظر في كل ما يقع في العالم وفي نفسه فيجعله كالمراد له فيلتذ به ويتلقاه بالقبول والبشر والرضا فلا يزال من هذه حالته مقيما في النعيم الدائم لا يتصف بالقهر ولا باللذة. قال: وما رأيت المقام ذائقا غيري وصاحبه يحصل له اللذة بكل واقع منه وفيه، ومن غيره، وفي غيره، فإن اقتضى ذلك الواقع التغير له تغير لطلب الحق تعالى منه التغير وكان هذا التغير هو المطلوب لأنه هو الواقع إذ ذاك وليس بمقهور فيه بل هو ملتذ بالموجب للتغير فتأمل، قال: وإيضاح ذلك أن الإنسان لا يخلو نفسا واحدا عن طلب يقوم به لأمر ما وإذا كانت حقيقة الإنسان ظهور الطلب فيه فليجعل متعلق طلبه مجهولا غير معين إلا من جهة واحدة وهو أن يكون متعلق طلبه ما يحدثه اللّه في العالم فذلك عين مطلوبه من خير وشر، فللخير الرضا والروح، وللشر السخط والكراهة، ومن عرف هذا الذي ذكرناه عرف جهل من طلب المحال فقال لمن قال له: ما تريد؟ أريد أن لا أريد وإنما الحق أنه كان يقول: أريد ما تريد فيتصف بالإرادة لما أراده الشارع خاصة ولا يبقى له غرض في مواد معين وأطال في ذلك. وقال: رؤية اللّه تعالى لا تكون بالطلب لأنها امتنان من اللّه تعالى، وما كان امتنانا لا يصح طلبه إنما يصح طلب ما كان سعاية وأطال في ذلك ثم قال: وإذا وقع ما وقع من الرؤية عن طلب فليس هو الرؤية الحقيقية الحاصلة عن الطلب وذلك لأن مطلوبه من المرئي إنما هو أن يراه على ما هو عليه في نفسه وذلك محال فإن التجلي لا يقع لعبد إلا على صورة علمه به وإلا أنكره فما تجلّى تعالى لطالب الرؤية إلا في غير ما طلبه، فلهذا كانت الرؤية إذا وقعت امتنانا على العبد لا استحقاقا وجزاء ثم إذا وقع الالتذاذ بما رآه وتخيل أنه مطلوبه تجلّى له بعد ذلك من غير طلب فكان ذلك التجلّي امتنانا إلهيا وأعطاه من العلم به ما لم يكن عنده ولا خطر على باله وكان تنعمه بتلك الرؤية كنعيم أهل الجنان وقال: وهذه المسألة ما نبه عليها أحد غيري فيما أعلم وأطال في ذلك.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!