الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب التاسع والستون وثلاثمائة في معرفة منزل مفاتيح خزائن الجود]

و قال في الباب التاسع والستين وثلاثمائة: اختلف أصحابنا في هذا النوع هل ينقطع أشخاصه بانتهاء مدة الدنيا أم لا. فمن لم يكشف قال: بانتهائه ومن كشف قال: بعدم انتهائه وأن التوالد في النوع الإنساني باق في الجنة وأطال في ذلك وقال في قوله تعالى: فَمٰا لِهٰؤُلاٰءِ اَلْقَوْمِ لاٰ يَكٰادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء: 78] . أي: فما لكم يا محجوبون لا تعلمون ما نحدثكم به، فإن الشرع كله حديث وخبر إلهي بما يقبله الوهم والعقل، ويا علماء باللّه إنما تعلمون قديما وإن حدث عندكم فما هو حديث العين، قال اللّه تعالى: مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [الأنبياء: 2] وما هو إلا كلام اللّه الأزلي. فحدث علمه عندهم حين سمعوه فهو محدث الإتيان قديم العين كما تقول حدث اليوم عندنا ضيف ومعلوم أنه كان موجودا قبل أن يأتي وقد جاء القرآن في مواد حادثة تعلق السمع بها وكذلك الفهم تعلق بما دلت عليه الكلمات فله الحدوث من وجه، والقدم من وجه وأطال في ذلك. وقال: لا يطلب العبد بأن يعرف حقيقة نسبة أخبار الصفات إلى اللّه عز وجل وكل من أولها حرم رؤية الحق يوم القيامة حين يقع التجلي فما أعظمها من حسرة، وقال: ليس في الجن من يجهل الحق تعالى ولا من يشرك به فهم ملحقون بالكفار لا بالمشركين وإن كانوا هم الذين يوسوسون بالشرك للناس وأطال في ذلك فليتأمل، ويحرر. وقال صلى اللّه عليه وسلم: «ما فضلكم أبو بكر بكثير صوم ولا صلاة ولكن بسر وقر في صدره» واعلم أن الإشارة بهذا السر واللّه أعلم إلى ما وقع له رضي اللّه عنه يوم موت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، من الثبات حين اضطربت عقول الصحابة ذلك اليوم وقال: ما لا يمكن أن يسمع حتى شهد على نفسه ذلك اليوم بقصوره وأبو بكر رضي اللّه عنه، لم يغير عليه حال بل صعد المنبر وقرأ: ومٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ [آل عمران: 144] . الآية. فتراجع من كان حكم عليه وهمه من الناس وعرف الناس فضل أبي بكر على الجماعة فاستحق الإمامة والتقدم، وما بايعه من بايعه سدى وما تخلف عن بيعته إلا من جهل منه السر الذي وقر في صدره ومن كان في محل نظر من ذلك ومتأولا وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، شهد له في حياته بفضله على الجماعة بالسر الذي وقر في صدره ولم يظهر حكم ذلك السر إلا يوم مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصل ثبات أبي بكر وصوله إلى مقام شهد فيه أن موت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حق وأنه محل لجريان أحكام الربوبية عليه وهناك تجرد أبو بكر بقلبه إلى جانب الحق، وتوكل على اللّه وحده ولم علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أن أبا بكر قلبه مع اللّه بالاعتماد عليه وحده دون غيره وأنه صار يترقب لما يوحي اللّه به إليه على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، في كل خطاب سمعه منه قال في حقه ما قال.

(قلت) : ومن هنا جعل القوم حال أبي بكر المذكور ميزانا لكمال المريد وأنه متى صار يرى شيخه محلا لجريان الأقدار وأن الأمر كله للّه وصار لا يتأثر لفقد شيخه إذا فقد بموت وسفر بعيد كل ذلك التأثر فقد كمل حاله، واستحق الفطام وأطال في ذلك وتقدم في الباب الثالث وثلاثمائة الكلام على حكمة ترتيب ولاية الخلفاء الأربعة فراجعه وقال فيه من قال: إن الحق تعالى يحل في الصورة فهو أعمى البصر والبصيرة لأن غاية الناس مرتبة الإحسان ثم الإيقان المشار إليها بقوله: «اعبد اللّه كأنك تراه» . فتمثله في خيالنا مرئيا ولم يحجر الشارع علينا إلا أن نجعل معبودنا محسوسا كالأصنام لا أن نتخيله صورة فإن الشارع يعلم أن من مرتبته الخيال أن يجد، ويصور ما ليس بجسد ولا صورة، وهذا من رحمة اللّه بنا التي وسعت كل شيء ومن شك في قولنا فليتخيل الحق في حال مناجاته في الصلاة خلفه كما هو أمامه فإنه لا يقدر هذا حكم الوهم وأما من حيث الإيمان باللّه، فإنه تعالى لا يتحيز وليس هو في جهة فاعلم ذلك. وقال: لما سحر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كان يخيل إليه أنه يأتي نساءه وهو لم يأتهن فأتاهن في الخيال ولم يأتهن في الحس ومن هنا قالوا إن السحر له وجه إلى الحق ووجه إلى الباطل إذ هو مشتق من السحر الذي هو اختلاط الضوء والظلمة من غير تخلص لأحد الجانبين، قال: ومن أراد إبطال السحر فلينظر إلى ما عقد الساحر فيعطي لكل عقدة يحلها بها كانت ما كانت فإن نقص عنها الكلمات بقي عليه من العقد شيء ضرورة فلا يزول السحر إلا بحل جميع العقد والسلام قال: وهذا من العلوم الإلهية فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال: «إن روح القدس نفث في روعي» ولا يكون النفث إلا ريحا بريق لا بد من ذلك حتى يعلم بخلاف النفخ فإنه ريح مجرد وأطال في ذلك بذكر غرائب وقال: إنما كان حديث النفس مغفورا ما لم تعمل وتكلم لأن الكلام عمل فيؤاخذ العبد به من حيث ما هو متلفظ به كالغيبة والنميمة، فإنه مؤاخذ بحسب ما يؤدي إليه ذلك اللفظ وإن كان تلفظ به وله عمل زائد على التلفظ به فلم يعمل به فما عليه إلا وزر عين ما تلفظ به فهو مسؤول عند اللّه من حيث لسانه قال: ولا يدخل الهم بالشيء في حديث النفس كما توهم إذ لهم بالشيء له حكم آخر في الشرع خلاف حديث النفس ولذلك موطن كمن يريد في الحرم المكي إلحادا بظلم يذيقه اللّه من عذاب أليم سواء وقع منه ذلك الظلم ولم يقع وأما في غير الحرم المكي فإنه غير مؤاخذ بالهم، وإن لم يفعل ما هم به كتبت له حسنة إذا ترك ذلك من أجل اللّه خاصة فإن لم يتركها من أجل اللّه لم يكتب له ولا عليه فهذا الفرق بين الحديث النفسي والإرادة التي هي الهم.

(قلت) : وسيأتي إن شاء اللّه تعالى في الباب الثاني والعشرين وأربعمائة، قول الشيخ: اعلم أن اللّه تعالى قد عفا عن جميع الخواطر التي تستقر عندنا إلا بمكة لأن الشرع قد ورد أن اللّه يؤاخذ فيه من يريد فيه بإلحاد بظلم وهذا كان سبب سكنى عبد اللّه بن عباس بالطائف احتياطا لنفسه فإنه ليس في قوة الإنسان أن يمنع عن قلبه الخواطر فمن لم يخطر له الحق تعالى خاطر سوء فلذلك هو المحفوظ ومن لنا بذلك قال: وقد أخبرني سليمان الدنبلي على وجه التحدث بالنعم أن له منذ خمسين سنة ما اخطر الحق تعالى في قلبه خاطر سوء انتهى. قال: وإنما نكر تعالى الظلم بقوله: بظلم ليجتنب من سكن مكة جميع الظلم في كبير وصغير، واللّه أعلم. وقال في حديث: انصر أخاك ظالما، ومظلوما. أما نصرة المظلوم فمعلومة عند الجميع وأما نصرة الظالم فأن تنصره عن إبليس الذي يوسوس في صدره بما يقع منه في الظلم بالكلام الذي تستحليه النفوس وتنقاد إليه فتعينه على رد ما وسوس إليه الشيطان من ذلك فهذه نصرته إذا كان ظالما، وكذا جاء الخبر في نصرة الظالم أن تأخذ على يديه والمراد به ما ذكرنا فلا بد أن تكون النصرة واردة على شيء فافهم وقال: الشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالمعاينة كشهادة خزيمة في قصة بيع الجمل فإنه لم يكن حاضرا وإنما قال: أشهد بتصديقك يا رسول اللّه فحكم صلى اللّه عليه وسلم، بشهادة خزيمة وحده لأنها شهادة بالوحي ولو أن خزيمة شهد شهادة عين لم تقم شهادته مقام اثنين وبذلك حفظ اللّه علينا: لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: 128] . إلى آخر السورة فإنها ثبتت بشهادة خزيمة وحده وقد كان جامع القرآن لا يقبل آية منه إلا بشهادة رجلين فصاعدا إلا هذه الآية. وقال: مما يدلك على أن الكلام للّه والترجمة للمتكلم قوله تعالى: مقسما. أنه يعني: القرآن لقول رسول كريم فأضاف الكلام إلى الواسطة والمترجم كما أضافه تعالى إلى نفسه بقوله تعالى: فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اَللّٰهِ [التوبة: 6] .

سواء فإذا تلي علينا القرآن فقد سمعنا كلام اللّه وموسى لما كلمه ربه سمع كلام اللّه ولكن بين السماعين بعد المشرقين فإن الذي يدركه من يسمع كلام اللّه بلا واسطة لا يساويه من سمعه؟ ؟ ؟ بالوسائط وقال في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا [فاطر: 32] . الآية اعلم أن اللّه عز وجل ما اصطفى عبدا قط إلا حفظه قبل اصطفائه من الغوص في علوم النظر وحال بينه وبينها ورزقه الإيمان باللّه وبما جاء من عند اللّه على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن صاحب النظر العقلي وإن سعد لا يكون أبدا في مرتبة الساذج الذي لم يكن عنده علم باللّه إلا من حيث إيمانه وتقواه وهذا هو وارث الأنبياء في هذه الصفة قال: وما بلغنا أنه تقدم لنبي قبل نبوته نظر عقلي في العلم باللّه أبدا ولا ينبغي له ذلك، قال: وكل من تقدم له من الأولياء النظر العقلي فليس هو ممن أورثه اللّه الكتاب، وأطال في ذلك.

(قلت) : وتقدم قبيل الباب الثامن والستين وثلاثمائة، أن استدلال السيد إبراهيم بالكواكب إنما كان لإقامة الحجة على قومه لا عن اعتقاده واللّه أعلم وقال للملك أن يعفو إلا عن ثلاثة أشياء وهي التعرض للحرم وإفشاء سره، والقدح في الملك.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!