الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الأحد والستون وثلاثمائة في معرفة منزل الاشتراك مع الحق في التقدير وهو من الحضرة المحمدية]

و قال في الباب الحادي والستين وثلاثمائة في قوله تعالى في آدم: لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75] . بالتثنية اعلم أن كل مخلوق في العالم فهو مضاف خلقه إلى يد إلهية قال تعالى: مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا أَنْعٰاماً [يس: 71] . فجمع الأيدي وقال في الحديث: «إن اللّه تعالى غرس شجرة طوبى بيده وخلق جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده» .

فوحد اليد وثناها، وجمعها قال: وما أضاف الحق تعالى آدم إلى خلقه بيديه إلا تنبيها على شرفه عنده وأنه هو المقصود من العالم فإن الأنعام خلقها بأيديه مع أنها تحت تسخير بني آدم وإيضاح ذلك أن التثنية برزخ بين الجمع والإفراد، فهي تقابل الطرفين بذاتها فلها درجة الكمال فإن المفرد لا يصل إلى الجمع إلا بها والجمع لا ينظر إلى المفرد إلا بها فافهم.

(قلت) : قد ذكرنا نحو ذلك في أجوبة شيخنا رضي اللّه عنه، واللّه أعلم ثم قال في قوله تعالى: ولَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ صَلْصٰالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ( 26 ) [الحجر: 26] . لما أراد اللّه تعالى خلق آدم أخذ ترابا لزجا، وخلطه بالماء فصيره طينا بيديه تعالى كما يليق بجلاله إذ ليس كمثله شيء ثم تركه مدة يختمر بما مر عليه من الهواء الحار الذي يتخلل أجزاء طينته فتخمر، وتغيرت رائحته فكان حمأ مسنونا متغير الريح قال الشيخ: ومن أراد أن يرى صدق ذلك إن كان في إيمانه خلل فليحك ذراعه بذراعه حكا قويا حتى يجد الحرارة من جلد ذراعه ثم يستنشقه فإنه يجد فيه رائحة الحمأة وهي أصله التي خلق جسمه منها، وأطال في ذلك بكلام نفيس منزعه الكشف وقال: من علامة من ادّعى أنه صار يذكر اللّه باللّه أن يجد الاحتراق في لسانه حسا حتى يحرق لسانه ولا يكون له أثر قط في النطق فمن لم يشاهد هذا الحرق من الأشياخ فليس هو ذاكر اللّه باللّه وإنما ذلك توهم قال: وقد ذقت ذلك حين ذكرت اللّه باللّه ومكثت على ذلك ست ساعات ثم رد على لساني فذكرته بالحضور معه لا به وأطال في ذلك فراجعه. وقال في حديث: إن اللّه خلق آدم على صورته اعلم أن الصور تطلق ويراد بها الأمر، والشأن، والحكم.

أي: جعل آدم يأمر وينهى، ويعزل ويولي ويؤاخذ ويسامح ويصفح، ويرحم ونحو ذلك فهذا هو المراد بالصورة فافهم. وقال: الإنسان مجبور في عين اختياره عند كل ذي عقل سليم مع أن جميع ما يظهر عنا من الأفعال يجوز أن يفعله اللّه تعالى وحده لا بأيدينا ولكن ما وقع ذلك في الشاهد ولا ظهر إلا بأيدينا إذ الأعمال لا تظهر أحكامها إلا في جسم قلت: وإن كان هذا حقا وصدقا. وقال أخذ بطرف دون طرف والكمال أن تقول: إن الأعمال للّه خلقا ولنا إسنادا فنضيفها إلى اللّه بوجه وإلينا بوجه كما قال تعالى: واَللّٰهُ خَلَقَكُمْ ومٰا تَعْمَلُونَ ( 96 ) [الصافات: 96] . وإن كان ذلك حكاية عن قول السيد إبراهيم فقد أقره الحق وارتضاه، من حيث أن مقام الأنبياء يجل عن أن يحكى خلاف ما الأمر عليه في نفسه واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!