الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الموفي ستين وثلاثمائة في معرفة منزل الظلمات المحمودة والأنوار المشهودة]

و قال في الباب الستين وثلاثمائة في قوله صلى اللّه عليه وسلم لما قيل له هل رأيت ربك؟ فقال: «نور أنّى أراه» فيه إشارة إلى مباينة نور الحق لسائر الأنوار فلم يدرك لاندراج نور الإدراك فيه فلذلك لم يدركه مع أن من شأن النور أن يدرك ويدرك به كما أن من شأن الظلمة أن تدرك ولا يدرك بها قال: وإذا أعظم النور أدرك ولم يدرك به لشدة لطافته ثم إنه لا يكون إدراك قط إلا بنور من المدرك لا بد من ذلك عقلا وحسا وأطال في ذلك وقال في قوله تعالى للملائكة: أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ [البقرة: 31] . في هذه الآية توبيخ للملائكة وتقرير كأنه تعالى يقول: هل سبحتموني وقدستموني بهذه الأسماء حيث قلتم ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30] فزكيتم نفوسكم وجرحتم خليفتي في أرضي ولم يكن ينبغي لكم ذلك فما قدرتموني حق قدري قال: فالمراد بالأسماء هنا الأسماء الإلهية التي استند إليها المشار إليهم بهؤلاء في إيجادهم وأحكامهم، وأطال في ذلك وقال: ليس للملك والحيوان والنبات إرادة تتعلق بأمر من الأمور، فهم مع ما فطروا عليه من السجود للّه والثناء عليه فشغلهم به لا عنه، وأما الإنسان فله الشغل به وعنه والشغل عنه هو المعبر عنه بالغفلة والنسيان، وقال في قول أبي يزيد بطشي أشد أي: من حيث نفسه الحيوانية وذلك لأنه يبطش بمن لا يخلقه فلا رحمة له فيه والحق تعالى إذا بطش بمن خلق فالرحمة مندرجة في بطشه بكل مؤمن فهو أرحم بالعبد من أمه وأبيه فله الحمد، وقال: الإنكار في التجلي الأخروي خاص بأهل النظر العقلي لا بأهل الكشف وذلك لأن أهل النظر العقلي قيدوا الحق تعالى بعقولهم فلما لم يروا ما قيدوه به في الآخرة أنكروه ألا تراهم إذا وقع التجلي لهم بالعلامة التي قيدوه بها يقرون له بالربوبية ولو أنه كان تجلى لهم أولا بهذه العلامة لما أنكروه فافهم، وقال في قوله تعالى: وكَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ [النساء: 171] . ثم قال: وصَدَّقَتْ بِكَلِمٰاتِ رَبِّهٰا [التحريم:12] . وما هو إلا عيسى فقط فجعله تعالى كلمات لها لأنه عليه السلام كثير من حيث نشأته الظاهرة والباطنة، ومن حيث أن كل جزء منه باطن وظاهرا هو كلمة فلهذا قال: وصَدَّقَتْ بِكَلِمٰاتِ رَبِّهٰا [التحريم: 12] . فأفرد الكلمة باعتبار وجمعها باعتبار وقال في قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ اَلْخَلاّٰقُ اَلْعَلِيمُ ( 86 ) [الحجر: 86] . اعلم أن الحق تعالى خلاق على الدوام ولو كان الأمر على ما قاله مخالفو أهل الحق من بقاء الأعراض لم يصح أن يكون الحق تعالى خلاقا على الدوام فهو مع كل مخلوق وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ [الحديد: 4] . يحفظ عليكم وجودكم وكنتم أمرا وجوديا بلا شك لا يعلم منه إلا الايجاد والوجود وهذا لا يقال للموجود قط كن عدما ولا كن معدوما، لاستحالة ذلك. وقال في قوله صلى اللّه عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا اللّه دخل الجنة» إنما لم يقل: من مات وهو يؤمن ويقول: ليعلمنا أن كل موحد للّه في الجنة يدخلها من غير شفاعة شافع ولو لم يوصف بالإيمان كقس بن ساعدة وأضرابه ممن لا شريعة بين أظهرهم يؤمنون بها وبصاحبها فقس رضي اللّه عنه، موحد لا مؤمن فتأمل. وقال النفس تذكر وتؤنث قال تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يٰا حَسْرَتىٰ عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللّٰهِ [الزمر:56] الآية فأنث ثم قال: بَلىٰ قَدْ جٰاءَتْكَ آيٰاتِي فَكَذَّبْتَ بِهٰا [الزمر: 59] . بتاء مفتوحة خطاب المذكر والعين واحدة فإن النفس والعين عند العرب يذكران ويؤنثان وذلك لأجل التناسل الواقع بين الذكر والأنثى ولذلك جاء في الإيجاد الإلهي القول وهو مذكر والإرادة وهي مؤنثة فأوجد العالم عن قول وإرادة فظهر عن اسم مؤنث ومذكر، فقال: إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْءٍ [النحل:40] . والقول مذكر إِذٰا أَرَدْنٰاهُ [النحل: 40] والإرادة مؤنثة، أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40] فظهر التكوين في الإرادة عن القول والعين واحدة وأطال في ذلك بكلام نفيس في التوحيد واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!