الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الخامس والعشرون وثلاثمائة في معرفة منزل القرآن من الحضرة المحمدية]

و قال في الباب الخامس والعشرين وثلاثمائة في قوله تعالى: إِنَّ اَلشَّيْطٰانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر: 6] . وفي قوله تعالى: يٰا بَنِي آدَمَ لاٰ يَفْتِنَنَّكُمُ اَلشَّيْطٰانُ كَمٰا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ اَلْجَنَّةِ [الأعراف: 27] . اعلم أن عداوة إبليس لبني آدم أشد من معاداته لأبيهم آدم عليه السلام، وذلك أن بني آدم خلقوا من ماء والماء منافر للنار وأما آدم عليه السلام، فجمع بينه وبين إبليس اليبس الذي في التراب فبين التراب والنار جامع ولهذا صدقه لما أقسم له باللّه إنه لناصح وما صدقه الأبناء لكونه لهم ضدا من جميع الوجوه فبهذا كانت عداوة الأبناء أشد من عداوة الأب له. قال: ولما كان هذا العدو محجوبا عن إدراك الأبصار جعل اللّه لنا في القلب من طريق الشرع علامة نعرفه بها تقوم لنا مقام البصر الظاهر فنتحفظ بتلك العلامة من إلقائه وأعاننا اللّه عليه بالملك الذي جعله اللّه مقابلا له غيبا لغيب وأطال في ذلك. وقال فيه: ما دام القرآن في القلب فلا حرف، ولا صوت، فإذا نطق به القارئ نطق بصوت وحرف وكذلك إذا كتبه لا يكتبه إلا بصوت وحرف وأطال في ذلك ثم قال: والمفهوم من كون القرآن أنزل حروفا منظومة من اثنين إلى خمسة حروف متصلة ومنفردة أمران: كونه قولا، وكلاما، ولفظا، وكونه يسمى كتابة ورقما وخطا فإن نظرت إلى القرآن من حيث كونه يحفظ فله حروف الرقم وإن نظرت إليه من حيث كونه تنطق به فله حروف اللفظ فلماذا يرجع كونه حروفا منطوقا بها هل هي لكلام اللّه الذي هو صفته وللمترجم عنه يحتاج إلى إيضاح وأطال في ذلك. ثم قال: وقد صح في ذلك الخبر أن اللّه تعالى يتجلّى في القيامة في صور مختلفة فيعرف وينكر ومن كانت حقيقته تنكر تقبل التجلي في الصور فلا يبعد أن يكون يتكلم بالحروف كما يليق بجلاله من غير كيفية ولا تشبيه لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ [الشورى: 11] . فنفى أن يماثل مع عقل المعنى وجهل النسبة فليتأمل وسيأتي مزيد على ذلك في الباب التاسع والعشرين، وثلاثمائة فراجعه. وقال في قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ قَدْ جٰاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشِفٰاءٌ لِمٰا فِي اَلصُّدُورِ وهُدىً ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ( 57 ) [يونس: 57] وفي قوله: قَدْ جٰاءَكُمْ مِنَ اَللّٰهِ نُورٌ [المائدة: 15] . وفي قوله: وضِيٰاءً وذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ [الأنبياء: 48] أما كون القرآن نورا فلما فيه من الآيات التي تطرد الشبه المضلة مثل قوله: لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اَللّٰهُ لَفَسَدَتٰا [الأنبياء:22] وقوله: لاٰ أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ [الأنعام: 76] . وقوله: فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء: 63] . وقوله: فَأْتِ بِهٰا مِنَ اَلْمَغْرِبِ [البقرة:258] . ونحو ذلك وأما كونه موعظة فظاهر وأما كونه شفاء فكفاتحة الكتاب وآيات الأدعية كلها وأما كونه هدى فكقوله: ومٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ واَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) [الذاريات: 56] وقوله: فَمَنْ عَفٰا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اَللّٰهِ [الشورى: 40] . ونحو ذلك من كل نص ورد في القرآن لا يدخله احتمال ولا يفهم منه إلا الظاهر بأول وهلة كهاتين الآيتين وأما كونه رحمة فلما فيه من البشرى مثل قوله: لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اَللّٰهِ [الزمر:53] وقوله: ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156] . وكل آية فيها رجاء وأما كونه ضياء فلما فيه من الآيات الكاشفة للأمور والحقائق، مثل قوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:9] . وقوله: مَنْ يُطِعِ اَلرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اَللّٰهَ [النساء: 80] . وقوله: ومٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ [الإنسان: 30] . وقوله: واَللّٰهُ خَلَقَكُمْ ومٰا تَعْمَلُونَ ( 96 ) [الصافات: 96] . ونحو ذلك مما يدل على مجرى الحقائق فعلم أن لكل اسم من هذه الأسماء كلمات تخصه انتهى.

فليتأمل ويحرر


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!