الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى معرفة عدد ما يحصل من الأسرار للمشاهد عند المقابلة والانحراف وعلى كم ينحرف من المقابلة |
الصفحة 81 - من الجزء الثاني (عرض الصورة)تخلص الأولياء إلى هذا النور الممتزج والأكابر أحرقتهم أنوار السبحات وخواص الأكابر أحرقهم نور البصر [علم الأولياء علم الصفات الذاتية منسوبة إلى الحق]فالأولياء لا يتجاوز علمهم الصفات الذاتية من حيث ما هي منسوبة إلى الحق الموصوف بها لا من حيث ما دلت عليها دلائل الآثار فهم يعرفون العالم من الله ويعرفون الله بالله ومن دونهم يعرفون الله من العالم وأما العالم فلا يعرفه من نفسه إلا أكابر الرجال الذين لا يعرفون الأشياء أو المعلومات إلا من نفوسها وأعيانها فلا يتخذون دليلا على الشيء أو المعلوم سوى نفس ذلك المعلوم وذلك لارتفاع المناسبات ولسريان الأحدية في كل معلوم فكما أنه لا مناسبة بين الله وبين خلقه كذلك لا مناسبة بين أعيان العالم والمظاهر فلا يعرفون شيئا بشيء ولا معلوما بمعلوم غيره وسائر الأولياء ما لهم هذه المرتبة [لا يجتمع الدليل والمدلول ولا يعرف الشيء بغيره]وكيف يعرف الشيء بغيره ولا يجتمع الدليل والمدلول فإن أحدهما إذا انتفى بوجود الآخر جهلت المناسبة المتخيلة فذلك المدلول إنما عرفته حين ظهر لك بنفسه وأما حين نظرك في الدليل على زعمك فلا علم لك إلا بذات الدليل لأن ذاته عرفتك بذاته لا بما جعلته دليلا عليه فإن المدلول في حين علمك بالدليل لست بعالم به فهذا الذي جعل أكابر الرجال لا يتخذون أمر الأمر وإنما يتخذون كل أمر لنفسه وعينه فيعلمون هؤلاء الله بالله والعالم بالعالم والأسماء بالأسماء فلا فكر لهم في استنباط شيء كما لسائر الأولياء فلهم الشهود الدائم فأينية سائر الأولياء في الأدلة فلا يشهدون مدلولا أبدا وعلى هذا جرت أحكامهم [أينية الأولياء في القيامة ويوم الزور الأعظم]وأما أينيتهم في القيامة فهم الذين لا يخافون ولا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ لأنهم ما لهم تبع وهم في أنفسهم آمنون فتغبطهم الأنبياء في ذلك الموطن خاصة وأما أينيتهم في الكثيب يوم الزور الأعظم فلهم الكراسي عليها يقعدون والمنابر والأسرة والمراتب لغيرهم ولكن من حيث هم رسل وأنبياء ومؤمنون [الأكابر في العلم بالله لهم قوة على التحول]وأما الأكابر في العلم بالله فإن لهم قوة على التحول في رقايق لتحول التجلي في الصور فيبعثون لكل تجل في صورة رقيقة صورية من ذواتهم تشاهد ما يشاهده أهل الجمع وهم في تلك الحال في قصورهم ينعمون في صور أجسامهم الطبيعية ومع الله من حيث كونه إحدى الذات بحقائقهم وفي الكثيب عند الرؤية برقائقهم المعنوية التي أوجدوها لصور التجلي ومن سواهم فحالهم إذا كانوا في الجنان لا يكونون في الكثيب وإذا كانوا في الكثيب لا يكونون في الجنان فتفقدهم جواريهم وولدانهم وأكابر القوم لا يفقدهم شيء من ملكهم فهؤلاء بأيديهم ملكوت ملكهم (السؤال الستون) ما خوض الوقوف الجواب دخول بعضهم في بعض طلبا للتخلص مما هم فيه من شدة ذلك اليوم وكربه [أصناف الخائضين في الوقوف]فمنهم الخائض في طلب من يشفع له ومنهم الخائض في طلب من يتكرم عليه لينقذه من هول ذلك اليوم ومنهم الخائض في طلب من يشهد له ومنهم الخائض في طلب الخصم لطلب القصاص ومنهم الخائض ليختفي ويستتر من خصمائه ومنهم الخائض ليستتر حياء من معارفه وعلى هذا كان يعمل شيخنا أبو عمران موسى بن عمران الميرتلي قلت له يوما لم تقلل من معارفك فقال ربما لا أكون هناك بذاك فاستحى من معارفي فإذا لم أر من أعرف هان على بعض الحال ومنهم الخائض ليعرف بمنزلته لما هو فيه من المكانة عند ربه لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وأمثال هذا هو خوض الوقوف إذا تأملت [الذين كانوا يخوضون في آيات الله مستهزءين]وأما الطائفة التي كانت تخوض في آيات الله وكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ فإن الله يخوض بهم في غمرات أعمالهم كما كانوا في الدنيا في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ يكونون في الآخرة في خوضهم يحزنون إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا من الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ وإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ فهذا خوضهم في الدنيا وما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا من الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ الصورة بالصورة فهذا خوضهم في الوقوف قال تعالى يوصينا ويحذرنا ممن هذه صفته وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ... حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إذا أقمتم معهم وهم بهذه المثابة وإن لم تخض معهم قال تعالى أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها يا عِبادِيَ (الَّذِينَ آمَنُوا) إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ فهؤلاء في الوقوف يخاض بهم حيث يكرهون كما خاضوا هنا حيث يكره الحق منهم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (السؤال الحادي والستون) كيف صار أمره كَلَمْحِ الْبَصَرِ الجواب الضمير في أمره يعود على الوقوف [الكيفيات لانتقال ولكن تقال بضرب من التشبيه]فاعلم أن الكيفيات لا تنقال ولكن تقال بضرب من التشبيه فإن أمره واحدة أي كلمة واحدة مثل لمح البصر فإن اللمحة |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |