المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الصف: [الآية 14]
سورة الصف | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)
[من نصر دين اللّه فقد نصر اللّه وأدى واجب : ]
أعلم أن من نصر دين اللّه فقد نصر اللّه وأدى واجبا في نصرته ، فله أجر النصر وأجر أداء الواجب ، بما نواه من امتثال أمر اللّه في ذلك وتعين عليه ذلك ، ولو كفاه غيره مئونة ذلك فلا يتأخر عن أمر اللّه ، ونصرة اللّه قد تكون بما يعطي من العلم المظهر للحق الدافع للباطل ، فهو جهاد معنوي محسوس ، فكونه معنويا لأن الباطن يقبله ، فإن العلم متعلقه النفس ، وأما كونه محسوسا فما يتعلق بذلك من العبارة عنه باللسان أو الكتابة ، فيحصل للسامع ، أو الناظر بطريق السمع من المتكلم ، أو بطريق النظر من الكتابة .
وجهاد العدو نصرة محسوسة ، ما هي معنوية ، فإنه ما نال العدو من المقاتل له شيئا في الباطن يرده عن اعتقاده ، كما ناله من العلم إذا علّمه وأصغى إليه ، ووفقه اللّه للقبول وفتح عين فهمه لما يورده عليه العالم في تعليمه ، وهي أعظم نصرة ، وهو أعظم أنصاري للّه ، يقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم
[ لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس ]
وقوله تعالى «فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا» بالغلبة والقهر ، وهو التأييد الإلهي الذي يقع به ظهورهم على الأعداء ، فأيدهم «عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ» على المنازع .
(62) سورة الجمعة مدنيّة
------------
(14) الفتوحات ج 4 / 467 - ج 2 / 36 ، 248تفسير ابن كثير:
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم ، بأقوالهم ، وأفعالهم ، وأنفسهم ، وأموالهم ، وأن يستجيبوا لله ولرسوله ، كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال : ( من أنصاري إلى الله ) ؟ أي : معيني في الدعوة إلى الله عز وجل ؟ ( قال الحواريون ) - وهم أتباع عيسى عليه السلام - : ( نحن أنصار الله ) أي : نحن أنصارك على ما أرسلت به وموازروك على ذلك ; ولهذا بعثهم دعاة إلى الناس في بلاد الشام في الإسرائيليين واليونانيين . وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في أيام الحج : " من رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي ، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي " حتى قيض الله عز وجل له الأوس ، والخزرج من أهل المدينة فبايعوه ، ووازروه ، وشارطوه أن يمنعوه من الأسود ، والأحمر إن هو هاجر إليهم ، فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه وفوا له بما عاهدوا الله عليه ; ولهذا سماهم الله ورسوله : الأنصار وصار ذلك علما عليهم ، رضي الله عنهم ، وأرضاهم . وقوله : ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) أي : لما بلغ عيسى ابن مريم عليه السلام رسالة ربه إلى قومه ، ووازره من وازره من الحواريين اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به ، وضلت طائفة فخرجت عما جاءهم به ، وجحدوا نبوته ، ورموه وأمه بالعظائم ، وهم اليهود - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة - وغلت فيه طائفة ممن اتبعه ، حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة ، وافترقوا فرقا وشيعا ، فمن قائل منهم : إنه ابن الله . وقائل : إنه ثالث ثلاثة : الأب ، والابن ، وروح القدس . ومن قائل : إنه الله . وكل هذه الأقوال مفصلة في سورة النساء .
وقوله : ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ) أي : نصرناهم على من عاداهم من فرق النصارى ) فأصبحوا ظاهرين ) أي : عليهم ، وذلك ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله .
حدثني أبو السائب ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال - يعني ابن عمرو - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أراد الله عز وجل أن يرفع عيسى إلى السماء ، خرج إلى أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلا من عين في البيت ، ورأسه يقطر ماء ، فقال : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي . قال : ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ، ويكون معي في درجتي ؟ قال : فقام شاب من أحدثهم سنا فقال : أنا . قال : فقال له : اجلس . ثم أعاد عليهم ، فقام الشاب فقال : أنا . فقال له : اجلس . ثم عاد عليهم فقام الشاب ، فقال : أنا . فقال : نعم ، أنت ذاك . قال : فألقي عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى عليه السلام من روزنة في البيت إلى السماء ، قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا شبهه فقتلوه وصلبوه ، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ، فتفرقوا فيه ثلاث فرق . فقالت فرقة : كان الله فينا ما شاء ، ثم صعد إلى السماء . وهؤلاء اليعقوبية . وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ، ثم رفعه إليه وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه إليه ، وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة ، فقتلوها ، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) يعني : الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى والطائفة التي آمنت في زمن عيسى ) فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) بإظهار محمد - صلى الله عليه وسلم - دينهم على دين الكفار ( فأصبحوا ظاهرين )
هذا لفظه في كتابه عند تفسير هذه الآية الكريمة . وهكذا رواه النسائي عند تفسير هذه الآية من سننه ، عن أبي كريب ، عن محمد بن العلاء ، عن أبي معاوية بمثله سواء .
فأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يزالون ظاهرين على الحق ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ، وحتى يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، كما وردت بذلك الأحاديث الصحاح ، والله أعلم .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ } [أي:] بالأقوال والأفعال، وذلك بالقيام بدين الله، والحرص على إقامته على الغير، وجهاد من عانده ونابذه، بالأبدان والأموال، ومن نصر الباطل بما يزعمه من العلم ورد الحق، بدحض حجته، وإقامة الحجة عليه، والتحذير منه.
ومن نصر دين الله، تعلم كتاب الله وسنة رسوله، والحث على ذلك، [والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر].
ثم هيج الله المؤمنين بالاقتداء بمن قبلهم من الصالحين بقوله: { كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ } أي: قال لهم عارضا ومنهضا من يعاونني ويقوم معي في نصرتي لدين الله، ويدخل مدخلي، ويخرج مخرجي؟
فابتدر الحواريون، فقالوا: { نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ } فمضى عيسى عليه السلام على أمر الله ونصر دينه، هو ومن معه من الحواريين، { فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } بسبب دعوة عيسى والحواريين، { وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ } منهم، فلم ينقادوا لدعوتهم، فجاهد المؤمنون الكافرين، { فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ } أي: قويناهم ونصرناهم عليهم.
{ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } عليهم وقاهرين [لهم]، فأنتم يا أمة محمد، كونوا أنصار الله ودعاة دينه، ينصركم الله كما نصر من قبلكم، ويظهركم على عدوكم.
تمت ولله الحمد
تفسير البغوي
ثم حضهم على نصر الدين وجهاد المخالفين فقال : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) . قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو : " أنصارا " بالتنوين " لله " بلام الإضافة وقرأ الآخرون : " أنصار الله " مضافا لقوله : " نحن أنصار الله " .
( كما قال عيسى ابن مريم للحواريين ) . أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى عليه السلام : ( من أنصاري إلى الله ) . أي : من ينصرني مع الله ( قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) . قال ابن عباس : يعني في زمن عيسى عليه السلام وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق : فرقة قالوا : كان الله فارتفع ، وفرقة قالوا : كان ابن الله فرفعه الله إليه وفرقة قالوا : كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا فظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى : ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) . عالين غالبين . وروى مغيرة عن إبراهيم قال : فأصبحت حجة من آمن بعيسى ظاهرة بتصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - أن عيسى كلمة الله وروحه .
الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) سبق إعرابها.
(كُونُوا) فعل أمر ناقص والواو اسمه (أَنْصارَ اللَّهِ) خبره مضاف إلى لفظ الجلالة والجملة ابتدائية لا محل لها (كَما) صفة مفعول مطلق محذوف (قالَ عِيسَى) ماض وفاعله (ابْنُ) بدل من عيسى (مَرْيَمَ) مضاف إليه (لِلْحَوارِيِّينَ) متعلقان بالفعل والمصدر المؤول من ما والفعل في محل جر بالكاف (مَنْ) اسم استفهام مبتدأ (أَنْصارِي) خبر (إِلَى اللَّهِ) متعلقان بمحذوف حال والجملة مقول القول (قالَ الْحَوارِيُّونَ) ماض وفاعله والجملة استئنافية لا محل لها (نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ) مبتدأ وخبره ولفظ الجلالة مضاف إليه والجملة مقول القول، (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ) الفاء حرف عطف وماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها (مِنْ بَنِي) متعلقان بمحذوف صفة طائفة (إِسْرائِيلَ) مضاف إليه وجملة (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) معطوفة على ما قبلها.
(فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ) الفاء حرف استئناف وماض وفاعله واسم الموصول مفعوله والجملة استئنافية لا محل له (آمَنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة.
(عَلى عَدُوِّهِمْ) متعلقان بالفعل (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) الفاء حرف عطف وأصبح واسمها وخبرها والجملة معطوفة على ما قبلها.