«فذوقوا» العذاب «بما نسيتم لقاء يومكم هذا» أي بترككم الإيمان به «إنا نسيناكم» تركناكم في العذاب «وذوقوا عذاب الخلد» الدائم «بما كنتم تعملون» من الكفر والتكذيب.
وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ فَلا يُبْصِرُونَ (27)
[ جميع الحواس لا تخطئ أبدا ]
إن العين لا تخطئ أبدا ، لا هي ولا جميع الحواس ، فإن إدراك الحواس إدراك ذاتي ، ولا تؤثر العلل الظاهرة العارضة في الذاتيات ، وإدراك العقل على قسمين : إدراك ذاتي هو فيه كالحواس لا يخطئ ، وإدراك غير ذاتي ، وهو ما يدركه بالآلة التي هي الفكر وبالآلة التي هي الحس ، فالخيال يقلد الحس فيما يعطيه ، والفكر ينظر في الخيال فيجد الأمور مفردات فيحب أن ينشئ منها صورة يحفظها العقل ، فينسب بعض المفردات إلى بعض ، فقد يخطئ في النسبة الأمر على ما هو عليه وقد يصيب ، فيحكم العقل على ذلك الحد فيخطئ ، فالعقل مقلد ، ولهذا اتصف بالخطإ ، وقد حصرت الآيات في السمع والبصر ، فإما شهود وإما خبر .
------------
(27) الفتوحات ج 2 /
628 - ج 3 /
351
( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ) أي : يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ : ذوقوا [ هذا ] العذاب بسبب تكذيبكم به ، واستبعادكم وقوعه ، وتناسيكم له; إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له ، ( إنا نسيناكم ) أي : [ إنا ] سنعاملكم معاملة الناسي; لأنه تعالى لا ينسى شيئا ولا يضل عنه شيء ، بل من باب المقابلة ، كما قال تعالى : ( اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) [ الجاثية : 34 ] .
وقوله : ( وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ) أي : بسبب كفركم وتكذيبكم ، كما قال في الآية الأخرى : ( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) [ النبأ : 24 - 30 ] .
قوله تعالى: {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا} فيه قولان : أحدهما : أنه من النسيان الذي لا ذكر معه؛ أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين. والآخر : أن {نسيتم} بما تركتم، وكذا {إنا نسيناكم}. واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي} طه : 115] قال : والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين} الأعراف : 20] فلو كان آدم ناسيا لكان قد ذكره. وأنشد : كأنه خارجا من جنب صفحته ** سفود شرب نسوه عند مفتأد أي تركوه. ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة. قال الضحاك: {نسيتم} أي تركتم أمري. يحيى بن سلام : أي تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم. {نسيناكم} تركناكم من الخير؛ قاله السدي. مجاهد : تركناكم في العذاب. وفي استئناف قوله: {إنا نسيناكم} وبناء الفعل على {إن} واسمها تشديد في الانتقام منهم. والمعنى : فذوقوا هذا؛ أي ما أنتم فيه من نكس الرءوس والخزي والغّم بسبب نسيان الله. أو ذوقوا العذاب المخلد، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم. {بما كنتم تعملون} يعني في الدنيا من المعاصي. وقد يعّبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما، لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم. قال عمر بن أبي ربيعة : فذق هجرها إن كنت تزعم أنها ** فساد ألا يا ربما كذب الزعم الجوهري : وذقت ما عند فلان؛ أي خبرته. وذقت القوس إذا جذبت وترها لتنظر ما شّدتها. وأذاقه الله وبال أمره. قال طفيل : فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ** من الغيظ في أكبادنا والتحوب وتذوقته أي ذقته شيئا بعد شيء. وأمر مستذاق أي مجّرب معلوم. قال الشاعر : وعهد الغانيات كعهد قين ** ونت عنه الجعائل مستذاق والذواق : الملول.
يقال لهؤلاء المشركين -عند دخولهم النار-: فذوقوا العذاب؛ بسبب غفلتكم عن الآخرة وانغماسكم في لذائذ الدنيا، إنا تركناكم اليوم في العذاب، وذوقوا عذاب جهنم الذي لا ينقطع؛ بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر بالله ومعاصيه.
{ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } أي: يقال للمجرمين، الذين ملكهم الذل، وسألوا الرجعة إلى الدنيا، ليستدركوا ما فاتهم، قد فات وقت الرجوع ولم يبق إلا العذاب، فذوقوا العذاب الأليم، بما نسيتم لقاء يومكم هذا، وهذا النسيان نسيان ترك، أي: بما أعرضتم عنه، وتركتم العمل له، وكأنكم غير قادمين عليه، ولا ملاقيه.
{ إِنَّا نَسِينَاكُمْ } أي: تركناكم بالعذاب، جزاء من جنس عملكم، فكما نَسِيتُمْ نُسِيتُمْ، { وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ } أي: العذاب غير المنقطع، فإن العذاب إذا كان له أجل وغاية، كان فيه بعض التنفيس والتخفيف، وأما عذاب جهنم - أعاذنا اللّه منه - فليس فيه روح راحة، ولا انقطاع لعذابهم فيها. { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من الكفر والفسوق والمعاصي.
( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ) أي : تركتم الإيمان به في الدنيا ( إنا نسيناكم ) تركناكم ( وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ) من الكفر والتكذيب .
(فَذُوقُوا) الفاء حرف استئناف وأمر وفاعله والجملة مستأنفة لا محل لها (بِما) الباء حرف جر ما مصدرية (نَسِيتُمْ) ماض وفاعله والمصدر المؤول من ما والفعل في محل جر بحرف الجر وهما متعلقان بالفعل (لِقاءَ يَوْمِكُمْ) مفعول به مضاف إلى يومكم (هذا) صفة يومكم (إِنَّا) إن واسمها (نَسِيناكُمْ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة خبر إن والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها (وَذُوقُوا) أمر وفاعله (عَذابَ الْخُلْدِ) مفعول به مضاف إلى الخلد والجملة مقول قول محذوف (بِما) متعلقان بالفعل (كُنْتُمْ) كان واسمها (تَعْمَلُونَ) مضارع وفاعله وجملة كنتم صلة ما لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Fathooqoo bima naseetum liqaa yawmikum hatha inna naseenakum wathooqoo AAathaba alkhuldi bima kuntum taAAmaloona
So taste (the evil of your deeds). Forasmuch as ye forgot the meeting of this your day, lo! We forget you. Taste the doom of immortality because of what ye used to do.
Tadın azabı, şu güne ulaşacağınızı unuttuğunuzdan dolayı, şüphe etmeyin ki biz de unuttuk sizi ve tadın ebedi olarak azabı yaptıklarınıza karşılık.
«Goûtez donc! Pour avoir oublié la rencontre de votre jour que voici. Nous aussi Nous vous avons oubliés. Goûtez au châtiment éternel pour ce que vous faisiez».
So erfahrt (die Peinigung) dafür, daß ihr die Begegnung dieses euren Tages vergessen habt. Gewiß, WIR berücksichtigen euch nicht. Und erfahrt die Peinigung in Ewigkeit für das, was ihr zu tun pflegtet.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة السجدة (As-Sajda - The Prostration) |
ترتيبها |
32 |
عدد آياتها |
30 |
عدد كلماتها |
374 |
عدد حروفها |
1523 |
معنى اسمها |
سَجَدَ: خَضَعَ، ومِنْهُ سُجُودُ الصَّلاةِ، وَالمُرَادُ (بِالسَّجْدَةِ): سَجْدَةُ التِّلاوَةِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (السَّجْدَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ﴾ السَّجْدَةِ، وَسُورَةَ (المَضَاجِعِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى فِي الكَونِ وفِي الخَلْقِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُسَنُّ قِراءَتُها فَجْرَ الجُمُعَةِ، فَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَومَ الجُمُعَةِ ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ﴾ السَّجْدَةَ و ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ ...١﴾». (رَوَاهُ البُخارِيّ وَمُسْلِم).
تُستَحَبُّ قِراءَتُهَا كُلَّ لَيلَةٍ قَبلَ النَّومِ، فعَنْ جَابِـرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ لاَ يَنَامُ حَتَى يَقرَأَ: ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ﴾ السَّجْدَةَ وَ ﴿تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ ...١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (السَّجْدَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن شُبْهَةِ اخْتِلاقِ القُرْآنِ وَتَوْجِيهُ النَّبِيِّ ﷺ تِجَاهِهَا، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ ...٣﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَٱنتَظِرۡ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ٣٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (السَّجْدَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (لُقْمَانَ): لَمَّا خَتَمَ سُبْحَانَهُ سُورَةَ (لُقْمَانٍ) بِذِكْرِ مَفَاتِيحِ الْغَيبِ الخَمسَةِ مُجْمَلَة؛ جَاءَ بَيَانُها فِي (السَّجْدَةِ). |