«وتلك الأمثال» في القرآن «نضربها» نجعلها «للناس وما يعقلها» أي يفهمها «إلا العالمون» المتدبرون.
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
«فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» عندما بدت لهم آيات اللّه غير المعتادة ، ذهبت عنهم الغفلة «فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ» فعادوا إلى شركهم بعد إخلاصهم للّه.
------------
(65) الفتوحات ج 1 /
208
ثم قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) أي : وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه .
قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثني ابن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عمرو بن العاص ، رضي الله عنه ، قال : عقلت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف مثل .
وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص - رضي الله عنه - حيث يقول [ الله ] تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن سنان ، عن عمرو بن مرة قال : ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني ، لأني سمعت الله تعالى يقول : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) .
قوله {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت} قال الأخفش {كمثل العنكبوت} وقف تام ثم قصتها فقال {اتخذت بيتا} قال ابن الأنباري: وهذا غلط؛ لأن {اتخذت بيتا} صلة للعنكبوت كأنه قال {كمثل التي اتخذت بيتا} فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول وهو بمنزلة قوله {كمثل الحمار يحمل أسفارا} فيحمل صلة للحمار ولا يحسن الوقف على الحمار دون يحمل قال الفراء: هو مثل ضربه الله سبحانه لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره؛ كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا ولا يحسن الوقف على العنكبوت؛ لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شيء فشبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضر به. {وإن أوهن البيوت} أي أضعف البيوت. {لبيت العنكبوت} قال الضحاك: ضرب مثلا لضعف آلهتهم ووهنها فشبهها ببيت العنكبوت. {لو كانوا يعلمون} {لو} متعلقة ببيت العنكبوت أي لو علموا أن عبادة الأوثان كاتخاذ بيت العنكبوت التي لا تغني عنهم شيئا وأن هذا مثلهم لما عبدوها؛ لا أنهم يعلمون أن بيت العنكبوت ضعيف. وقال النحاة: إن تاء العنكبوت في آخرها مزيدة؛ لأنها تسقط في التصغير والجمع وهي مؤنثة وحكى الفراء تذكيرها وأنشد: على هطالهم منهم بيوت ** كأن العنكبوت قد أبتناها ويروي: على أهطالهم منهم بيوت ** قال الجوهري والهطال: اسم جبل والعنكبوت الدويبة المعروفة التي تنسج نسجا رقيقا مهلهلا بين الهواء ويجمع عناكيب وعكاب وعكب وأعكب وقد حكي أنه يقال عنكب وعكنباة؛ قال الشاعر: كأنما يسقط من لغامها ** بيت عكنباة على زمامها وتصغر فيقال عنيكب وقد حكي عن يزيد بن ميسرة أن العنكبوت شيطان مسخها الله تعالى وقال عطاء الخراساني: نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود حين كان جالوت يطلبه ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك نهي عن قتلها ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيوت يورث الفقر ومنع الخمير يورث الفقر. قوله تعالى: {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء} {ما} بمعنى الذي {ومن} للتبعيض ولو كانت زائدة للتوكيد لانقلب المعنى والمعني: إن الله يعلم ضعف ما يعبدون من دونه وقرأ عاصم وأبو عمرو ويعقوب {يدعون} بالياء وهو اختيار أبي عبيد لذكر الأمم قبلها الباقون بالتاء على الخطاب. قوله {وتلك الأمثال} أي هذا المثل وغيره مما ذكر في - البقرة - و- الحج - وغيرهما {نضربها} نبينها {للناس وما يعقلها} أي يفهمها {إلا العالمون} أي العالمون بالله كما روي جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه )
وهذه الأمثال نضربها للناس؛ لينتفعوا بها ويتعلموا منها، وما يعقلها إلا العالمون بالله وآياته وشرعه.
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم، لكونها من الطرق الموضحة للعلوم، ولأنها تقرب الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة، فيتضح المعنى المطلوب بسببها، فهي مصلحة لعموم الناس.
{ و } لكن { مَا يَعْقِلُهَا } بفهمها وتدبرها، وتطبيقها على ما ضربت له، وعقلها في القلب { إِلَّا الْعَالِمُونَ } أي: أهل العلم الحقيقي، الذين وصل العلم إلى قلوبهم.
وهذا مدح للأمثال التي يضربها، وحثٌّ على تدبرها وتعقلها، ومدح لمن يعقلها، وأنه عنوان على أنه من أهل العلم، فعلم أن من لم يعقلها ليس من العالمين.
والسبب في ذلك، أن الأمثال التي يضربها اللّه في القرآن، إنما هي للأمور الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة، فأهل العلم يعرفون أنها أهم من غيرها، لاعتناء اللّه بها، وحثه عباده على تعقلها وتدبرها، فيبذلون جهدهم في معرفتها.
وأما من لم يعقلها، مع أهميتها، فإن ذلك دليل على أنه ليس من أهل العلم، لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة، فعدم معرفته غيرها من باب أولى وأحرى. ولهذا، أكثر ما يضرب اللّه الأمثال في أصول الدين ونحوها.
( وتلك الأمثال ) الأشباه ، والمثل : كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول ، يريد : أمثال القرآن التي شبه بها أحوال كفار هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة ) ( نضربها ) نبينها ) ( للناس ) قال مقاتل : لكفار مكة ، ( وما يعقلها إلا العالمون ) أي : ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، أخبرنا ابن برزة ، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ، أخبرنا داود بن المحبر ، أخبرنا عباد بن كثير ، عن ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية : ) ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) قال : " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " .
(وَ) الواو حرف استئناف (تِلْكَ) اسم إشارة مبتدأ (الْأَمْثالُ) بدل (نَضْرِبُها) مضارع ومفعوله والفاعل مستتر (لِلنَّاسِ) متعلقان بالفعل والجملة الفعلية خبر المبتدأ والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها (وَ) الواو حالية (ما) نافية (يَعْقِلُها) مضارع ومفعوله (إِلَّا) حرف حصر (الْعالِمُونَ) فاعل والجملة حال.
Traslation and Transliteration:
Watilka alamthalu nadribuha lilnnasi wama yaAAqiluha illa alAAalimoona
As for these similitudes, We coin them for mankind, but none will grasp their meaning save the wise.
Ve işte örnekler, onları insanlara gösterip durmadayız ve bilgi sahiplerinden başkaları anlamaz onları.
Telles sont les paraboles que Nous citons aux gens; cependant, seuls les savants les comprennent.
Und diese Gleichnisse prägen WIR den Menschen. Und es begreifen sie nur die Wissenden.
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة العنكبوت (Al-Ankabut - The Spider) |
ترتيبها |
29 |
عدد آياتها |
69 |
عدد كلماتها |
982 |
عدد حروفها |
4200 |
معنى اسمها |
(العَنْكَبُوتُ): الأُنْثَى، وَذَكَرُها: عَنْكَبُ، والجَمْعُ: عَنَاكِبُ وعَنَاكِيبُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بضَرْبِ الْمَثَلِ (بِالْعَنْكَبُوتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (العَنْكَبُوتِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ وَهَنِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ تَعَالَى وَبُطْلَانِ فِكْرِهِ وَعَقِيدَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ ...٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ ...٦٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَصَصِ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الْقَصَصَ) بِالأَمْرِ بِتَوحِيدِ اللهِ تَعَالَى قَائِلاً: ﴿وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ ...٨٨﴾ نَاسَبَ ذَلِكَ افْتِتَاحَ (الْعَنْكَبُوتِ) بِقَولهِ: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢﴾. |