المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 171]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة البقرة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،
فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .
وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:
إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في
أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.
------------
(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434تفسير ابن كثير:
ثم ضرب لهم تعالى مثلا كما قال تعالى : ( للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ) [ النحل : 60 ] فقال : ( ومثل الذين كفروا ) أي : فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها ، بل إذا نعق بها راعيها ، أي : دعاها إلى ما يرشدها ، لا تفقه ما يقول ولا تفهمه ، بل إنما تسمع صوته فقط .
هكذا روي عن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني والربيع بن أنس ، نحو هذا .
وقيل : إنما هذا مثل ضرب لهم في دعائهم الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئا ، اختاره ابن جرير ، والأول أولى ; لأن الأصنام لا تسمع شيئا ولا تعقله ولا تبصره ، ولا بطش لها ولا حياة فيها . وقوله : ( صم بكم عمي ) أي : صم عن سماع الحق ، بكم لا يتفوهون به ، عمي عن رؤية طريقه ومسلكه ( فهم لا يعقلون ) أي : لا يعقلون شيئا ولا يفهمونه ، كما قال تعالى : ( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ) [ الأنعام : 39 ] .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ثم قال [تعالى]: { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } لما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل, وردهم لذلك بالتقليد, علم من ذلك أنهم غير قابلين للحق, ولا مستجيبين له, بل كان معلوما لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم، أخبر تعالى, أن مثلهم عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها, وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرد الصوت, الذي تقوم به عليهم الحجة, ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم, فلهذا كانوا صما, لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول, عميا, لا ينظرون نظر اعتبار, بكما, فلا ينطقون بما فيه خير لهم. والسبب الموجب لذلك كله, أنه ليس لهم عقل صحيح, بل هم أسفه السفهاء, وأجهل الجهلاء. فهل يستريب العاقل, أن من دعي إلى الرشاد, وذيد عن الفساد, ونهي عن اقتحام العذاب, وأمر بما فيه صلاحه وفلاحه, وفوزه, ونعيمه فعصى الناصح, وتولى عن أمر ربه, واقتحم النار على بصيرة, واتبع الباطل, ونبذ الحق - أن هذا ليس له مسكة من عقل, وأنه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء, فإنه من أسفه السفهاء.
تفسير البغوي
( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ) والنعيق والنعق صوت الراعي بالغنم معناه مثلك يا محمد ومثل الكفار في وعظهم ودعائهم إلى الله عز وجل كمثل الراعي الذي ينعق بالغنم وقيل مثل واعظ الكفار وداعيهم معهم كمثل الراعي ينعق بالغنم وهي لا تسمع ( إلا دعاء ) صوتا ( ونداء ) فأضاف المثل إلى الذين كفروا لدلالة الكلام عليه كما في قوله تعالى " واسأل القرية " ( 82 - يوسف ) معناه كما أن البهائم تسمع صوت الراعي ولا تفهم ولا تعقل ما يقال لها كذلك الكافر لا ينتفع بوعظك إنما يسمع صوتك وقيل معناه ومثل الذين كفروا في قلة عقلهم وفهمهم عن الله وعن رسوله كمثل المنعوق به من البهائم التي لا تفقه من الأمر والنهي إلا الصوت فيكون المعنى للمنعوق به والكلام خارج عن الناعق وهو فاش في كلام العرب يفعلون ذلك ويقبلون الكلام لإيضاح المعنى عندهم يقولون فلان يخافك كخوف الأسد أي كخوفه من الأسد وقال تعالى " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة " ( 76 - القصص ) وإنما العصبة تنوء بالمفاتيح وقيل معناه مثل الذين كفروا في دعاء الأصنام التي لا تفقه ولا تعقل كمثل الناعق بالغنم فلا ينتفع من نعيقه بشيء غير أنه في غناء من الدعاء والنداء كذلك الكافر ليس له من دعاء الآلهة وعبادتها إلا العناء والبلاء كما قال تعالى " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم " ( 14 - فاطر ) .
وقيل معنى الآية ومثل الذين كفروا في دعاء الأوثان كمثل الذي يصيح في جوف الجبال فيسمع صوتا يقال له الصدى لا يفهم منه شيئا فمعنى الآية كمثل الذي ينعق بما لا يسمع منه الناعق إلا دعاء ونداء ( صم ) تقول العرب لمن لا يسمع ولا يعقل كأنه أصم ( بكم ) عن الخير لا يقولونه ( عمي ) عن الهدى لا يبصرونه ( فهم لا يعقلون ) .
الإعراب:
(وَمَثَلُ) الواو استئنافية مثل مبتدأ.
(الَّذِينَ) اسم موصول في محل جر بالإضافة.
(كَفَرُوا) فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.
(كَمَثَلِ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مبتدأ تقديره هو.
(الَّذِي) اسم موصول في محل جر بالإضافة.
(يَنْعِقُ) فعل مضارع والفاعل هو والجملة صلة الموصول لا محل لها.
(بِما) جار ومجرور متعلقان بينعق.
(لا) نافية.
(يَسْمَعُ) فعل مضارع والفاعل هو والجملة صلة الموصول.
(إِلَّا) أداة حصر.
(دُعاءً) مفعول به.
(وَنِداءً) معطوف.
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) ثلاثة أخبار لمبتدأ محذوف تقديره هم والجملة الاسمية حالية أو استئنافية.
(فَهُمْ) الفاء عاطفة هم مبتدأ.
(لا يَعْقِلُونَ) الجملة خبر المبتدأ.