المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التوبة: [الآية 91]
سورة التوبة | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم
[ توحيد الاستكفاء ]
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،
وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»
فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .
(10) سورة يونس مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(129) الفتوحات ج 2 / 409 ، 199 ، 409تفسير ابن كثير:
م بين تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد فيها عن القتال ، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه ، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد ، ومنه العمى والعرج ونحوهما ، ولهذا بدأ به . ما هو عارض بسبب مرض عن له في بدنه ، شغله عن الخروج في سبيل الله ، أو بسبب فقره لا يقدر على التجهز للحرب ، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ، ولم يرجفوا بالناس ، ولم يثبطوهم ، وهم محسنون في حالهم هذا ؛ ولهذا قال : ( ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم )
وقال سفيان الثوري ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ثمامة - رضي الله عنه - قال : قال الحواريون : يا روح الله ، أخبرنا عن الناصح لله ؟ قال : الذي يؤثر حق الله على حق الناس ، وإذا حدث له أمران - أو : بدا له أمر الدنيا وأمر الآخرة - بدأ بالذي للآخرة ثم تفرغ للذي للدنيا .
وقال الأوزاعي : خرج الناس إلى الاستسقاء ، فقام فيهم بلال بن سعد ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا معشر من حضر : ألستم مقرين بالإساءة ؟ قالوا : اللهم نعم . فقال : اللهم ، إنا نسمعك تقول : ( ما على المحسنين من سبيل ) اللهم وقد أقررنا بالإساءة فاغفر لنا وارحمنا واسقنا . ورفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا .
وقال قتادة : نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرو المزني .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي ، حدثنا ابن جابر ، عن ابن فروة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن زيد بن ثابت قال : كنت أكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنت أكتب " براءة " فإني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر ما ينزل عليه ، إذ جاء أعمى فقال : كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى ؟ فأنزل الله ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ) الآية .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية : وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه ، فجاءته عصابة من أصحابه ، فيهم عبد الله بن مغفل المزني فقالوا : يا رسول الله ، احملنا ، فقال لهم : والله لا أجد ما أحملكم عليه . فتولوا ولهم بكاء ، وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ، ولا يجدون نفقة ولا محملا ، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه ، فقال : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ) إلى قوله تعالى : ( فهم لا يعلمون ) .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
لما ذكر المعتذرين، وكانوا على قسمين، قسم معذور في الشرع، وقسم غير معذور، ذكر ذلك بقوله:
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} في أبدانهم وأبصارهم، الذين لا قوة لهم على الخروج والقتال. {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى}.
وهذا شامل لجميع أنواع المرض الذي لا يقدر صاحبه معه على الخروج والجهاد، من عرج، وعمى، وحمى، وذات الجنب، والفالج، وغير ذلك.
{وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ} أي: لا يجدون زادا، ولا راحلة يتبلغون بها في سفرهم، فهؤلاء ليس عليهم حرج، بشرط أن ينصحوا للّه ورسوله، بأن يكونوا صادقي الإيمان، وأن يكون من نيتهم وعزمهم أنهم لو قدروا لجاهدوا، وأن يفعلوا ما يقدرون عليه من الحث والترغيب والتشجيع على الجهاد.
{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} أي: من سبيل يكون عليهم فيه تبعة، فإنهم ـ بإحسانهم فيما عليهم من حقوق اللّه وحقوق العباد ـ أسقطوا توجه اللوم عليهم، وإذا أحسن العبد فيما يقدر عليه، سقط عنه ما لا يقدر عليه.
ويستدل بهذه الآية على قاعدة وهي: أن من أحسن على غيره، في [نفسه] أو في ماله، ونحو ذلك، ثم ترتب على إحسانه نقص أو تلف، أنه غير ضامن لأنه محسن، ولا سبيل على المحسنين، كما أنه يدل على أن غير المحسن ـ وهو المسيء ـ كالمفرط، أن عليه الضمان.
{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ومن مغفرته ورحمته، عفا عن العاجزين، وأثابهم بنيتهم الجازمة ثواب القادرين الفاعلين.
تفسير البغوي
ثم ذكر أهل العذر ، فقال جل ذكره : ( ليس على الضعفاء ) قال ابن عباس : يعني الزمنى والمشايخ والعجزة . وقيل : هم الصبيان وقيل : النسوان ، ( ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ) يعني الفقراء ( حرج ) مأثم . وقيل : ضيق في القعود عن الغزو ، ( إذا نصحوا لله ورسوله ) في مغيبهم وأخلصوا الإيمان والعمل لله وبايعوا الرسول . ( ما على المحسنين من سبيل ) أي : من طريق بالعقوبة ، ( والله غفور رحيم ) .
قال قتادة : نزلت في عائذ بن عمرو وأصحابه .
وقال الضحاك : نزلت في عبد الله ابن أم مكتوم وكان ضرير البصر .
الإعراب:
(لَيْسَ) فعل ماض ناقص.
(عَلَى الضُّعَفاءِ) متعلقان بمحذوف خبر.
(وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ) أسماء معطوفة.
(لا يَجِدُونَ) مضارع والواو فاعل، ولا نافية لا عمل لها، واسم الموصول (ما) مفعول به وجملة لا يجدون صلة الموصول وكذلك جملة (يُنْفِقُونَ).
(حَرَجٌ) اسم ليس.
(إِذا) ظرف لما يستقبل من الزمان.. وجملة (نَصَحُوا) في محل جر بالإضافة.
(لِلَّهِ) حرف الجر ولفظ الجلالة متعلقان بالفعل.
(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وما نافية لا عمل لها.
(مِنْ سَبِيلٍ) من حرف جر زائد.
(سَبِيلٍ) اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة لا محل لها.
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لفظ الجلالة مبتدأ وخبراه والجملة مستأنفة كذلك.