في معرفة النفس بفتح الفاء
وهو الباب 198 من الفتوحات المكية
[أن نفس المتنفس لم يكن غير باطن المتنفس]
![]() |
![]() |
[7] - [أن نفس المتنفس لم يكن غير باطن المتنفس]
ثم لتعلم أن نفس المتنفس لم يكن غير باطن المتنفس فصار النفس ظاهرا وهو أعيان الحروف والكلمات فلم يكن الظاهر بأمر زائد على الباطن فهو عينه واستعداد المخارج لتعيين الحروف في النفس استعداد أعيان العالم الثابتة في نفس الرحمن فظهر عين الحكم الاستعدادي الذي في العالم الظاهر في النفس فلهذا قال تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى وقال للنفس المطمئنة ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً كما قال طَوْعاً وكَرْهاً أي إن لم ترجعي راضية من ذاتك وإلا أجبرت على الرجوع إلى ربك فتعلم أنك ما أنت أنت وإذا رجعت راضية فهي النفس العالمة المرضية عند الله فدخلت في عباده فلم تنسب ولا انتمت إلى غيره ممن اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ودخلت في جنته أي في كنفه وستره فاستترت هذه النفس به فكان هو الظاهر وهي غيب فيه فهي باطنة إذ كانت هي عين النفس والنفس باطن فقامت للرحمن بهذا النعت من الدخول في الستر المضاف إليه بقوله جَنَّتِي مقام الروح للجسم الصوري فإنه ستر عليه فالجسم المشهود والحكم للروح فالظاهر الحق والحكم للروح وهو استعداد العالم الذي أظهر الاختلاف في الحق الظاهر فهذا معنى قوله وادْخُلِي جَنَّتِي وأضافه إلى نفسه
فالرب والمربوب مرتبطان *** ثنى الوجود به وليس بثان
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله *** إلا الذي قالوه في العمران
والقمران يريدون أبا بكر وعمر والشمس والقمر والله خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ فأثبت بالضمير ونفى بالفعل الذي هو خلق كما انتفى أبو بكر فلم يظهر له اسم في العمران وأثبته ضمير التثنية وهو قولهم العمران فسبحان من أخفى عنه حكمته فيه فظهر في الوجود العليم الذي لا يعلم كالرامي الذي ما رمى فالحروف ليست غير النفس ولا هي عين النفس والكلمة ليست غير الحروف وما هي عين الحروف
والجمع حال لا وجود لعينه *** وله التحكم ليس للآحاد
(وصل)
واعلم أن الله لما قال قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فجعل الأسماء الحسنى لله كما هي للرحمن غير أن هنا دقيقة وهي أن الاسم له معنى وله صورة فيدعي الله بمعنى الاسم ويدعي الرحمن بصورته لأن الرحمن هو المنعوت بالنفس وبالنفس ظهرت الكلمات الإلهية في مراتب الخلأ الذي ظهر فيه العالم فلا ندعوه إلا بصورة الاسم وله صورتان صورة عندنا من أنفاسنا وتركيب حروفنا وهي التي ندعوه بها وهي أسماء الأسماء الإلهية وهي كالخلع عليها ونحن بصورة هذه الأسماء التي من أنفاسنا مترجمون عن الأسماء الإلهية والأسماء الإلهية لها صور من نفس الرحمن من كونه قائلا ومنعوتا بالكلام وخلف تلك الصور المعاني التي هي لتلك الصور كالأرواح فصور الأسماء الإلهية
التي يذكر الحق بها نفسه بكلامه وجودها من نفس الرحمن فله الأسماء الحسنى وأرواح تلك الصور هي التي للاسم الله خارجة عن حكم النفس لا تنعت بالكيفية وهي لصور الأسماء النفسية الرحمانية كالمعاني للحروف ولما علمنا هذا وأمرنا أن ندعوه بأسمائه الحسنى وخيرنا بين الله والرحمن فإن شئنا دعوناه بصورة الأسماء النفسية الرحمانية وهي الهمم الكونية التي في أرواحنا وإن شئنا دعوناه بالأسماء التي من أنفاسنا بحكم الترجمة وهي الأسماء التي يتلفظ بها في عالم الشهادة فإذا تلفظنا بها أحضرنا في نفوسنا أما الله فننظر المعنى وأما الرحمن فننظر صورة الاسم الإلهي النفسي الرحماني كيفما شئنا فعلنا فإن دلالة الصورتين منا ومن الرحمن على المعنى واحد سواء علمنا ذلك أو لم نعلمه ولما كان ذكر أسمائه عين الثناء عليه ذكرنا في هذا الباب ما هو فينا مثل كلمة كن منه وذلك البسملة يقول أهل الله إن بسم الله منا في إيجاد الأفعال بمنزلة كن منه ولما كان القرآن ذكرا وجامعا لأسمائه صور أو معاني جعلنا التلاوة في هذا الباب من جملة الأذكار فلا نذكر من الأذكار إلا ما يختص بالقرآن فنذكره بكلامه من حيث علمه بذلك لا من حيث علمنا فيكون هو الذي يذكر نفسه لا نحن ولما كان دعاؤنا بأسمائه القرآنية وكنا ذاكرين تالين وجب علينا التعوذ وهو من الذكر فيعيذنا وسقنا من الأذكار الحمد لله وسبحان الله والله أكبر ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله فلنذكر فهرست ما أنا ذاكره في هذا الباب من فصول ما يتكلم عليه مما يختص بالنفس الإلهي ومراتب الذاكرين من العالم في الذكر لأن الذاكرين هم أعلى الطوائف لأنه جليسهم ولهذا ختم الله بذكرهم صفات المقربين من أهل الله ذكرانهم وإناثهم فقال تعالى إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِماتِ والْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ والْقانِتِينَ والْقانِتاتِ والصَّادِقِينَ والصَّادِقاتِ والصَّابِرِينَ والصَّابِراتِ والْخاشِعِينَ والْخاشِعاتِ والْمُتَصَدِّقِينَ والْمُتَصَدِّقاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِماتِ والْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ والْحافِظاتِ والذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً والذَّاكِراتِ وما ذكر بعد الذاكرات شيئا والذكر من نعوت كونه متكلما وهو نفس الرحمن الذي ظهرت فيه حقائق حروف الكائنات وكلمات الحضرة
(ذكر فهرست الفصول وهي خمسون فصلا)
(الفصل الأول) في ذكر الله نفسه بنفس الرحمن وبه أوجد العالم من كونه أحب ذلك (الفصل الثاني) في كلام الله وكلماته (الفصل الثالث) في ذكر التعوذ (الفصل الرابع) في الذكر بالبسملة (الفصل الخامس) في كلمة الحضرة وهي كلمة كن (الفصل السادس) في الذكر بالحمد (الفصل السابع) في الذكر بالتسبيح (الفصل الثامن) في الذكر بالتكبير (الفصل التاسع) في الذكر بالتهليل (الفصل العاشر) في الذكر بالحوقلة (الفصل الحادي عشر) في الاسم البديع وتوجهه على إيجاد العقل والعقول وهو القلم الأعلى ومن الحروف على الهمزة وتفاصيل الهمزة ومن المنازل على الشرطين والإمداد الإلهي النفسي ومراتبه الذاتية والزائدة (الفصل الثاني عشر) في الاسم الباعث وتوجهه على إيجاد اللوح المحفوظ وهو النفس الكلية وهو الروح المنفوخ منه في الصور المسواة بعد كمال تعديلها فيهبها الله بذلك النفخ أي صورة شاء وتوجهه على إيجاد الهاء من الحروف وهاء الكنايات وتوجهه على إيجاد البطين من المنازل (الفصل الثالث عشر) في الاسم الباطن وتوجهه على خلق الطبيعة وما يعطيه من أنفاس العالم وحصرها في أربع حقائق وافتراقها واجتماعها وتوجهه على إيجاد العين المهملة وإيجاد الثريا من المنازل
(الفصل الرابع عشر) في الاسم الآخر وتوجهه على خلق الجوهر الهبائي الذي ظهر فيه صور الأجسام وما يشبه هذا الجوهر في عالم التركيب وإيجاد الحاء المهملة من الحروف وإيجاد الدبران من المنازل المقدرة (الفصل الخامس عشر) في الاسم الظاهر وتوجهه على إيجاد الجسم الكل وإيجاد الغين المعجمة من الحروف وإيجاد الميسان وهي الهقعة من المنازل (الفصل السادس عشر) في الاسم الحكيم وتوجهه على إيجاد الشكل وحرف الخاء المعجمة والتحية من المنازل (الفصل السابع عشر) في الاسم المحيط وتوجهه على إيجاد العرش والعروش المعظمة والمكرمة والممجدة وحرف القاف من الحروف والذراع من المنازل (الفصل الثامن عشر) في الاسم الشكور وتوجهه على إيجاد الكرسي والقدمين وحرف الكاف والنثرة (الفصل التاسع عشر) في الاسم الغني وتوجهه على إيجاد الفلك الأطلس فلك البروج وحدوث الأيام بوجود حركته واستعانته بالاسم الدهر على ذلك وحرف الجيم والطرف (الفصل العشرون) في الاسم المقدر وتوجهه على إيجاد فلك الكواكب الثابتة والجنات وتقدير صور الكواكب في مقعر هذا الفلك وكونه أرض الجنة وسقف جهنم وحرف الشين المعجمة والجبهة (الفصل الحادي والعشرون) في الاسم الرب وتوجهه على إيجاد السماء الأولى والبيت المعمور وسدرة المنتهى وإبراهيم الخليل ويوم السبت وحرف الياء بالنقطتين من أسفل والخرثان من المنازل المقدرة وخانس هذه السماء وكوكبها (الفصل الثاني والعشرون) في الاسم العليم وتوجهه على إيجاد السماء الثانية وخانسها ويوم الخميس وموسى عليه السلام وحرف الضاد المعجمة والصرفة من المنازل (الفصل الثالث والعشرون) في الاسم القاهر وتوجهه على إيجاد السماء الثالثة وخانسها ويوم الثلاثاء وحرف اللام والعوا (الفصل الرابع والعشرون) في الاسم النور وتوجهه على إيجاد السماء الرابعة وهي قلب جسم العالم المركب وإيجاد الشمس وحدوث الليل والنهار في عالم الأركان وروح إدريس عليه السلام وقطبيته وحرف النون والسماك الأعزل ويوم الأحد ونفخ الروح الجزئي عند كمال تصوير النطف (الفصل الخامس والعشرون) في الاسم المصور وتوجهه على إيجاد السماء الخامسة وخانسها والتصوير والحسن والجمال ويوسف عليه السلام وحرف الراء والغفر ويوم الجمعة (الفصل السادس والعشرون) في الاسم المحصي وتوجهه على إيجاد السماء السادسة وخانسها وعيسى عليه السلام والاعتدال وحرف الطاء المهملة والزبانا ويوم الأربعاء (الفصل السابع والعشرون) في الاسم المتين وتوجهه على إيجاد السماء الدنيا والقمر وآدم عليه السلام والمد والجزر وحرف الدال المهملة والإكليل ويوم الإثنين (الفصل الثامن والعشرون) في الاسم القابض وتوجهه على إيجاد الأثير وما يظهر فيه من ذوات الأذناب والاحتراقات ومن الحروف حرف التاء المنقوطة باثنتين من فوق والقلب من المنازل (الفصل التاسع والعشرون) في الاسم الحي وتوجهه على إيجاد ما ظهر في ركن الهواء وحرف الزاي من الحروف ومن المنازل الشولة (الفصل الثلاثون) في الاسم المحيي وتوجهه على إيجاد ما ظهر في الماء وحرف السين المهملة والنعائم (الفصل الحادي والثلاثون) في الاسم المميت وتوجهه على إيجاد التراب وحرف الصاد المهملة والبلدة (الفصل الثاني والثلاثون) في الاسم العزيز وتوجهه على إيجاد المعادن وحرف الظاء المعجمة والذابح
(الفصل الثالث والثلاثون) في الاسم الرزاق وتوجهه على إيجاد النبات وحرف الثاء المعجمة بثلاث ومن المنازل بلع (الفصل الرابع والثلاثون) في الاسم المدل وتوجهه على إيجاد الحيوان وحرف الذال المعجمة ومن المنازل السعود (الفصل الخامس والثلاثون) في الاسم القوي وتوجهه على إيجاد الملائكة وحرف الفاء والأخبية (الفصل السادس والثلاثون) في الاسم اللطيف وتوجهه على إيجاد الجن حرف الباء المعجمة بواحدة والفرع المقدم (الفصل السابع والثلاثون) في الاسم الجامع وتوجهه على إيجاد الإنسان وحرف الميم والمؤخر (الفصل الثامن والثلاثون) في الاسم رفيع الدرجات وتوجهه على تعيين الرتب والمقامات والمنازل وحرف الواو ومن المنازل الرشاء (الفصل التاسع والثلاثون) في النقل وأين مقامه في الأنفاس (الفصل الأربعون) في معرفة الجلي والخفي من الأنفاس وهو بمنزلة الإدغام والإظهار في الكلام (الفصل الحادي والأربعون) في الاعتدال والانحراف في النفس وهو بمنزلة الفتح والإمالة وبين اللفظين (الفصل الثاني والأربعون) في الاعتماد على الناقص والميل إليه وهو في الكلام معرفة الوقف على هاء التأنيث وهو من باب الأنفاس أيضا (الفصل الثالث والأربعون) في الإعادة وهي التكرار وأين هو في النفس (الفصل الرابع والأربعون) في اللطيف من النفس يرجع كثيفا وما سببه والكثيف يرجع لطيفا من النفس وما سببه وعليه مبني أصوات الملاحن (الفصل الخامس والأربعون) في الاعتماد على أصناف المحدثات وهو في باب النفس الإنساني الوقف على أواخر الكلم في اللسان (الفصل السادس والأربعون) في الاعتماد على العالم من حيث ما هو كتاب مسطور في رق الوجود المنشور في عالم الأجسام الكائن من الاسم الظاهر (الفصل السابع والأربعون) في الاعتماد على الوعد قبل كونه وهو الاعتماد على المعدوم لصدق الوعد وهو في الأنفاس السكوت على الساكن قبل الهمزة (الفصل الثامن والأربعون) في الاعتماد على الكائنات وما يظهر منها من الفتوح وهو الأينية في الطريق وكيف يرجع المعلول صحيحا والصحيح عليلا (الفصل التاسع والأربعون) فيما يعدم ويوجد مما يزيد على الأصول التي هي بمنزلة النوافل مع الفرائض (الفصل الخمسون) في الأمر الجامع لما يظهر في النفس من الأحكام في كل متنفس حقا وخلقا وحيوانا ونطقا وبه تمام باب النفس على الاقتصاد والاختصار إن شاء الله ثم اللواحق وهي الأقسام الإلهية التي نفس الله بها عن عباده وهي من نفس الرحمن
(الفصل الأول) في ذكر الله نفسه بنفس الرحمن
ورد في الحديث الصحيح كشفا الغير الثابت نقلا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن ربه جل وعز أنه قال ما هذا معناه كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني
ولما ذكر المحبة علمنا من حقيقة الحب ولوازمه مما يجده المحب في نفسه وقد بينا أن الحب لا يتعلق إلا بمعدوم يصح وجوده وهو غير موجود في الحال والعالم محدث والله كان ولا شيء معه وعلم العالم من علمه بنفسه فما أظهر في الكون إلا ما هو عليه في نفسه وكأنه كان باطنا فصار بالعالم ظاهرا وأظهر العالم نفس الرحمن لإزالة حكم الحب وتنفس ما يجد المحب فعرف نفسه شهودا بالظاهر وذكر نفسه بما أظهره ذكر معرفة وعلم وهو ذكر العماء المنسوب إلى الرب قبل خلق الخلق وهو ذكر العام المجمل وإن كلمات العالم بجملتها مجملة في هذا النفس الرحماني وتفاصيله غير متناهية ومن هنا يتكلم من يرى قسمة الجسم عقلا إلى ما لا يتناهى مع كونه قد دخل في الوجود وكل ما دخل في الوجود فهو متناه
والقسمة لم تدخل في الوجود فلا تتصف بالتناهي وهؤلاء هم الذين أنكروا الجوهر الفرد الذي هو الجزء الذي لا ينقسم وكذلك العماء وإن كان موجودا فتفاصيل صور العالم فيه على الترتيب دنيا وآخرة غير متناه التفصيل وذلك أن النفس الرحماني من الاسم الباطن يكون الإمداد له دائما والذكر له في الإجمال دائما فهو في العالم كآدم في البشر ولما عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها أعلمنا بهذا أن العماء من حيث ما هو نفس رحماني قابل لصور حروف العالم وكلماته هو حامل الأسماء كلها وكلمات الله ما تنفد فذكر الله لا ينقطع والرحمن يذكر الله بأسمائه وهو أيضا مسمى بها فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ويذكر نفسه من كونه متكلما ومفصلا فذكر الرحمن مجمل وذكر الله مفصل
(الفصل الثاني) في كلام الله وكلماته
الكلام والقول نعتان لله فبالقول يسمع المعدوم وهو قوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ وبالكلام يسمع الموجود وهو قوله تعالى وكَلَّمَ الله مُوسى تَكْلِيماً وقد يطلق الكلام على الترجمة في لسان المترجم وينسب الكلام إلى المترجم عنه في ذلك فالقول له أثر في المعدوم وهو الوجود والكلام له أثر في الموجود وهو العلم والموصوف بالتبديل في قوله يُحَرِّفُونَهُ من بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وقوله يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ الله هو في الترجمة فإنها تقبل التبديل والمعاني تابعة للكلام فلا يفهم من الأمر الذي حرف به وبدل المعنى الذي يفهم من الأصل ولذلك ألحق التبديل والتحريف بالأصل وإن كان لا يقبل التحريف ولا التبديل لأنه كلام إلهي لا يحكى ولا يوصف بالوصف الذاتي فإذا وقع التجلي في أي صورة كانت فلا يخلو أن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام في العرف أو لا تكون فإن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام فكلامها من جنس الكلام المنسوب إليها لحكم الصورة على التجلي مثل قوله عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وقالَتْ نَمْلَةٌ وإن كان مما لا ينسب إليه الكلام في العرف فلا يخلو إما أن تكون ممن ينسب إليها القول بالإيمان مثل قوله هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ وقوله قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ وقوله يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ وقوله قالُوا أَنْطَقَنَا الله وإما أن لا تكون ممن نسب إليه قول ولا نطق وهو الذي نسب إليه التسبيح الذي لا يفقه وما قال لا يسمع إذ الكلام أو القول هو الذي من شأنه أن يتعلق به السمع والتسبيح لو كان قولا أو كلاما لنفى عنه سمعنا وإنما نفى عنه فقهنا وهو العلم والعلم قد يكون عن كلام وقول وقد لا يكون فإذا تجلى في مثل هذه الصور فيكون النطق بحسب ما يريده المتجلي مما يناسب تسبيح تلك الصورة لا يتعداه فيفهم من كلام ذلك المتجلي تسبيح تلك الصورة وهو علم عجيب قليل من أهل الله من يقف عليه فيكون الكلام المنسوب إلى الله عز وجل في مثل هذه الصور بحسب ما هي عليه هذا إذا وقع التجلي في المواد النورية والطبيعية فإن وقع التجلي في غير مادة نورية ولا طبيعية وتجلى في المعاني المجردة فيكون ما يقال في مثل هذا إنه كلام فمن حيث أثره في المتجلي له لا من حيث إنه تكلم بكذا وتلك الآثار كلها من طبقات الكلام الذي تقدم تسمى كلمات الله جمع كلمة وهي أعيان الكائنات قال تعالى وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وهو عين عيسى لم يلق إليها غير ذلك ولا علمت غير ذلك فلو كانت الكلمة الإلهية قولا من الله وكلاما لها مثل كلامه لموسى عليه السلام لسرت ولم تقل يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا فلم تكن الكلمة الإلهية التي ألقيت إليها إلا عين عيسى روح الله وكلمته وهو عبده فنطق عيسى ببراءة أمه في غير الحالة المعتادة ليكون آية فكان نطقه كلام الله في نفس الرحمن فنفس الله عن أمه بذلك ما كان أصابها من كلام أهلها بما نسبوها إليه مما طهرها الله عنه ومن هنا قالت المعتزلة إن المتكلم من خلق الكلام وفيما ليس من شأنه أن يتكلم فذلك كلام الله مثل الجماد والنبات وحالة عيسى إلا القائلين بالشكل الغريب فيجعلون مثل هذا من الأشكال الحادثة في الكون فقد بينا لك معنى كلام الله وكلماته وكلام الله تعالى علمه وعلمه ذاته ولا يصح أن يكون كلامه ليس هو فإنه كان يوصف بأنه محكوم عليه للزائد على ذاته وهو لا يحكم عليه عز وجل وكل ذي كلام موصوف بأنه قادر على أن يتكلم متمكن في نفسه من ذلك والحق لا يوصف بأنه قادر على أن يتكلم فيكون كلامه مخلوقا وكلامه قديم في مذهب الأشعري وعين ذاته في مذهب غيره من العقلاء فنسبة الكلام إلى الله مجهولة لا تعرف كما أن ذاته لا تعرف ولا يثبت الكلام للاله إلا شرعا ليس في قوة العقل إدراكه من حيث فكره فافهم أن النفس للرحمن والكلام لله والقول وهو
انتهاء النفس إلى عين كلمة من الكلمات فيظهر عينها بعد بطونها وتفصيلها بعد إجمالها فإن قلت فائدة الكلام الإسماع وما في الوجود إلا الله وهو متكلم فمن أسمع قلنا ليس من شرط السامع أن يكون موجودا فإنه يقول للمعدوم في حال عدمه كن فيكون المعدوم عند ما يتعلق بسمعه الثبوتي كلام الله وأمره بالوجود وكذلك المرئي علة رؤيته جواز رؤيته الوجود بل الاستعداد والتهيؤ سواء كان موجودا أو معدوما والجواب الآخر كما أنه تكلم من حيث ما هو منعوت بالكلام يسمع كلامه من كونه سميعا وهما نسبتان مختلفتان فإن قلت ففائدة سماع الكلام حصول العلم وهو عالم لذاته قلنا ما كل كلام موضوع لحصول ما لا يعلم فإن المتكلم يثني على نفسه بما هو عالم به إنه عليه فلا يستفيد بل هو للابتهاج بالكمال الذاتي فالحق لم يزل متكلما وإن حدث في الكون فلا يدل على حدوثه في نفس الأمر قال تعالى ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ يعني عندهم وإن كان قد تكلم به مع غيره قبل هذا مثل ما في التوراة وغيرها مما هو في القرآن هذا إذا قلنا إنه يريد كلام الله الذي هو صفة له وإن كان الظاهر أن السامع إنما سمع كلام المترجم عن الله كما
قال إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده
فلنذكر فصول الأذكار الإلهية ما تيسر منها من المذكورة في القرآن فنبدأ بالتعوذ من أجل أنه من أذكار القرآن
(الفصل الثالث في ذكر التعوذ)
قال تعالى فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأعوذ بك منك
والحق هنا هو الذاكر بالقرآن نفسه فالتعوذ يكون باسم إلهي من اسم إلهي وهو الذي
نبه عليه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بقوله وأعوذ بك منك
فإن كان التالي أعني الذاكر بالقرآن ممن للشيطان عليه سبيل حينئذ يجب عليه أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فاستعاذة الحق بما هو عليه من صفات التقديس والتنزيه مما ينسب إليه مما لا يليق به كما قال تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ فوقع العياذ برب العزة عَمَّا يَصِفُونَ يريد مما يطلق عليه مما لا ينبغي لجلاله من الصاحبة والولد والأنداد فهذا كله عياذ إلهي لأنه كلامه وأما الاستعاذة به منه فهو ما ورد من تجليه في صورة تنكر فيتعوذ المتجلي له منها بتجل في صورة يعرف وهو عين الصورة الأولى والثانية وقد بينا لك في هذا الكتاب أنه الظاهر في مظاهر الأعيان فهو المستعيذ به منه ومن هذا الباب قوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك هو قوله إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وقوله إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلا غالِبَ لَكُمْ وإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ فيتعوذ بالناصر من الخاذل وبالنافع من الضار وهو القائل على لسان العبد ما ظهر عنه من التعوذ
(الفصل الرابع في ذكر البسملة)
البسملة قولك بسم الله وهو للعبد كلمة حضرة الكون للتكوين بمنزلة كلمة الحضرة في قوله كُنْ فينفعل عن العبد بالبسملة إذا تحقق بها ما ينفعل عن كن فكأنه يقول بسم الله يكون ظهور الكون فهو إخبار عن حقيقة اقترن بها صدق محبوب كان الحق سمعه ولسانه فيكون عنه ما يكون عن كن وهو قوله فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي فبإذني متعلق بقوله فتنفخ وتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ والْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي أي بأمري لما كنت لسانك وبصرك تكونت عنك الأشياء التي ليست بمقدورة لمن لا أقول على لسانه فالتكوين في الحالين لي فبسم الله عين كن
(الفصل الخامس في كلمة الحضرة الإلهية)
وهي كلمة كُنْ لله تجل في صور تقبل القول والكلام بترتيب الحروف كما له تجل في غير هذا قد ذكرناه في التجلي الإلهي الذي خرجه مسلم في الصحيح قال تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ فقولنا هو كونه متكلما أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فكن عين ما تكلم به فظهر عنه الذي قيل له كن فأضاف التكوين إلى الذي يكون لا إلى الحق ولا إلى القدرة بل أمر فامتثل السامع في حال عدمه شيئية وثبوته أمر الحق بسمع ثبوتي فأمره قدرته وقبول المأمور بالتكوين استعداده فظهرت الأعيان في النفس الرحماني ظهور الحروف في النفس الإنساني والشيء الذي يكون إنما هو الصورة الخاصة كظهور الصورة المنقوشة في الخشب أو الصورة في الماء المهين أو الصورة في الضلع أو الصورة في الطين أو الصورة فإن قلت عن وجود صدقت وإن قلت لم أكن صدقت
فلو رأيت الذي رأينا *** ما قلت إلا أنا هو أنتا
فاعلم بأن الذي سمعتا *** من قول كن منه قد خلقتا
فظاهر الأمر كان قول *** وباطن الأمر أنت كنتا
والشكل عين الذي بدا لي *** وهو الوجود الذي رأيتا
قد أثبت الشيء قول ربي *** لو لم يكن ذاك ما وجدتا
فالعدم المحض ليس فيه *** ثبوت عين فقل صدقتا
لو لم تكن ثم يا حبيبي *** إذ قال كن لم تكن سمعتا
فأي شيء قبلت منه *** الكون أو كون عين أنتا
فكلمة الحضرة كلمات كما قال وما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ فلم يكرر فعين الأمر عين التكوين وما ثم أمر إلهي إلا كن وكن حرف وجودي عند سيبويه من واجب الوجود لا يقبل الحوادث فالأمر في نفسه صعب تصوره من الوجه الذي يطلبه الفكر سهل في غاية السهولة من الوجه الذي قرره الشرع فالفكر يقول ما ثم شيء ثم ظهر شيء لا من شيء والشرع يقول وهو القول الحق
بل ثم شيء فصار كونا *** وكان غيبا فصار عينا
انظر إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ يعني السحاب الكائن من الأبخرة هنا الصاعدة للحرارة التي فيها والأبخرة نفس عنصري وليس بشيء زائد على السحاب ولم يكن سحابا في المتنفس بل هو شيء فظهر سحابا فتكاثف ثم تحلل ماء فنزل فتكون بخارا فصعد فكان سحابا فانظر إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ من خِلالِهِ وأَنْزَلْنا من الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً فينشئه سَحاباً فَيَبْسُطُهُ في السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ ويَجْعَلُهُ كِسَفاً وهو تعدد الأعيان فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ من خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ به من يَشاءُ من عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ فيما في السحاب من الماء يثقل فينزل كما صعد بما فيه من الحرارة فإن الأصغر يطلب الأعظم فإذا ثقل اعتمد على الهواء فانضغط الهواء فأخذ سفلا فحك وجه الأرض فتقوت الحرارة التي في الهواء فطلب الهواء بما فيه من الحرارة القوية الصعود يطلب الركن الأعظم فوجد السحاب متراكما فمنعه من الصعود تكاثفه فأشعل الهواء فخلق الله في تلك الشعلة ملكا سماه برقا فأضاء به الجو ثم انطفأ بقوة الريح كما ينطفئ السراج فزال ضوؤه مع بقاء عينه فزال كونه برقا وبقي العين كونا يسبح الله ثم صدع الوجه الذي يلي الأرض من السحاب فلما مازجه كان كالنكاح فخلق الله من ذلك الالتحام ملكا سماه رعدا فسبح بحمد الله فكان بعد البرق لا بد من ذلك ما لم يكن البرق خلبا فكل برق يكون على ما ذكرناه لا بد أن يكون الرعد يعقبه لأن الهواء يصعد مشتعلا فيخلقه ملكا يسميه برقا وبعد هذا يصدع أسفل السحاب فيخلق الله الرعد مسبحا بحمد ربه لما أوجده وإِنْ من شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ وثم بروق وهي ملائكة يخلقها الله في زمان الصيف من حرارة الجو لارتفاع الشمس فتنزل الأشعة الشمسية فإذا أحرقت ركن الأثير زادت حرارة فاشتعل الجو من أعلى وما ثم سحاب لأن قوة الحرارة تلطف الأبخرة الصاعدة عن كثافتها فلا يظهر للسحاب عين وهنالك حكم الشين المعجمة من الحروف ولهذا سمي حرف التفشي فخلق الله من ذلك الاشتعال بروقا خلبا لا يكون معها رعد أصلا وهذه كلها حوادث ظهرت أعيانها عن كلمة كن في أنفاس وإنما جئنا بمثل هذا تأنيسا لك لتعلم ما فتح الله من الصور والأعيان في هذا النفس العنصري المسمى بخار التكون لك عبرة إن كنت ذا بصر فتجوز بالنظر في هذا إلى تكوين العالم من النفس الرحماني الظاهر من محبة الله أن يعرفه خلقه فما في العالم أو ما هو العالم سوى كلمات الله وكلمات الله أمره وأمره واحدة وهو كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ لأنه ما ثم أسرع من لمح البصر فإنه زمان التحاظه هو زمان التحاقه بغاية ما يمكن أن ينتهي إليه في التعلق وكذلك قوة السمع دون ذلك فتدبر يا أخي كلام الله وهذا القرآن العزيز وتفاصيل آياته وسورة وهو أحدي الكلام مع هذا التعداد وهو التوراة والفرقان والإنجيل والزبور والصحف فما الذي عدد الواحد أو وحد العدد انظر كيف هو الأمر فإنك إذا علمته علمت كلمة الحضرة وإذا علمت كلمة الحضرة علمت اختصاصها من الكلمات بكلمة كن لكل شيء مع اختلاف ما ظهر ومن الحروف الظاهرة بالكاف والنون ومن الحروف الباطنة
بالواو وكيف حكم العارض على الثابت بمساعدته عليه فرده غيبا بعد ما كان شهادة فإن السكون هو الحاكم من النون وهو عرض لأن الأمر الإلهي عرض له فسكنه فوجد سكون الواو فاستعان عليها بها كما يستعين العبد بربه على ربه فلما اجتمع ساكنان وأرادت النون الاتصال بالكاف لسرعة نفوذ الأمر حتى يكون أقرب من لمح بالبصر كما أخبر فزالت الواو من الوسط فباشرت الكاف النون فلو بقيت الواو لكان في الأمر بطء فإن الواو لا بد أن تكون واو علة لأجل ضمة الكاف فلا يصل النفس إلى النون الساكنة بالأمر إلا بعد تحقق ظهور واو العلة فيبطئ الأمر وهي واو علة فيكون الكون عن علتين الواو والأمر الإلهي وهو لا شريك له وإذا جاز أن يبطىء المأمور عن التكوين زمانا واحدا وهو قدر ظهور الواو لو بقيت ولا تحذف لجاز أن يبقى المأمور أكثر من ذلك فيكون أمر الله قاصرا فلا تنفذ إرادته وهو نافذ الإرادة فحذف الواو من كلمة الحضرة لا بد منه والسرعة لا بد منها فظهور الكون عن كلمة الحضرة بسرعة لا بد منه فظهر الكون فظهرت الواو في الكون لتدل أنها كانت في كن وإنما زالت لأمر عارض فعملت في الغيب فظهرت في الكون لما ظهر الكون بصورة كن قبل حذف الواو ليدل على أن الواو لم تعدم وإنما غابت لحكمة ما ذكرناه فليس الكون بزائد على كن بواوها الغيبية فظهر الكون على صورة كن وكن أمره وأمره كلامه وكلامه علمه وعلمه ذاته فظهر العالم على صورته فخلق آدم على صورته فقبل الأسماء الإلهية وقد بينا ما فيه الكفاية للعاقل في كلمة الحضرة والله يضرب الأمثال لعباده
(الفصل السادس في الذكر بالتحميد)
الحمد ثناء عام ما لم يقيده الناطق به بأمر وله ثلاث مراتب حمد الحمد وحمد المحمود نفسه وحمد غيره له وما ثم مرتبة رابعة في الحمد ثم في الحمد بما يحمد الشيء نفسه أو يحمده غيره تقسيمان إما أن يحمده بصفة فعل وإما أن يحمده بصفة تنزيه وما ثم حمد ثالث هنا وأما حمد الحمد له فهو في الحمدين بذاته إذ لو لم يكن لما صح أن يكون لها حمد
فحمد الحمد يعطي الحمد فيه *** ولو لا الحمد ما كان الحميد
ثم إن الحمد على المحمود قسمان القسم الواحد أن يحمد بما هو عليه وهو الحمد الأعم والقسم الثاني أن يحمد على ما يكون منه وهو الشكر وهو الأخص فانحصرت أقسام التحميدات والمحامد وتعيين الكلمات التي تدل على ما ذكرناه لا تتناهى
فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول في المقام المحمود فأحمده بمحامد لا أعلمها الآن
وقال لا أحصي ثناء عليك
لأن ما لا يتناهى لا يدخل في الوجود ولما كان كل عين حامدة ومحمودة في العالم كلمات الحق الظاهرة من نفس الرحمن ونفس الرحمن ظهور الاسم الباطن والحكم الغيب وهو الظاهر والباطن رجعت إليه عواقب الثناء فلا حامد إلا الله ولا محمود إلا الله وحمد الحمد صفته لأن الحمد صفته وصفته عينه إذ لا يتكثر
ولا يكمل بالزائد تعالى الله *** فحمد الحمد هو فليس إلا هو
فما حمد الله إلا الإله *** ومحموده عينه لا سواه
فمن حمد الله على هذا النحو فقد حمده ومن نقصه من ذلك شيئا فهو بقدر ما نقصه فإن كنت حامد الله فلتحمده بهذا الحضور وهذا التصور فيكون الجزاء من الله لمن هذا حمده عينه فافهم
(الفصل السابع) في الذكر بالتسبيح
التسبيح التنزيه فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ هذا أمر سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ
![]() |
![]() |





