الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[رجوع جميع الصفات والأسماء إلى الذات الباري تعالى‏]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[56] - [رجوع جميع الصفات والأسماء إلى الذات الباري تعالى‏]

اعلم أن الذات لما اختصت بسبع نسب تسمى صفات إليها يرجع جميع الأسماء والصفات وقد ذكرنا رجوعها إليها في كتاب إنشاء الجداول كما ذكرها من تقدم قبلنا غير أني زدت على من تقدم بإلحاق الاسم المجيب مع الاسم الشكور لصفة الكلام فإن المتقدمين قبلنا ما ألحقوا بالاسم الشكور الاسم المجيب وكانت السموات سبعا والسيارة سبعة والأرضون سبعة والأيام سبعة جعل الله تكوين المعادن في هذه الأرض عن سباحة هذه السبعة الدراري بسبعة أفلاكها في الفلك المحيط فأوجد فيها سبعة معادن ولما كان الاسم العزيز المتوجه على إيجادها ولم يكن لها مشهود سواه عند وجودها أثر فيها عزة ومنعا فلم يقو سلطان الاستحالة التي تحكم في المولدات والأمهات من العناصر يحكم فيها بسرعة الإحالة من صورة إلى صورة مثل ما يحكم في باقي المولدات فإن الاستحالة تسرع إليهم ويظهر سلطانها فيهم بزيادة ونقص وخلع صورة منهم وعليهم وهذا يبعد حكمه في المعادن فلا تتغير الأحجار مع مرور الأزمان والدهور إلا عن بعد عظيم وذلك لعزتها التي اكتسبتها من الاسم الإلهي العزيز الذي توجه على إيجادها من الحضرة الإلهية ثم إن هذا الاسم طلب بإيجادها رتبة الكمال لها حتى تتحقق بالعزة فلا يؤثر فيها دونه اسم إلهي نفاسة منه لأجل انتسابها إليه وعلم العلماء بأن وجودها مضاف إليه فلم يكن القصد بها إلا صورة واحدة فيها عين الكمال وهو الذهبية فطرأت عوارض لها في الطريق من الاسم الضار وإخوانه فأمرض أعيانهم وعدل بهم عن طريقهم حكمت عليهم بذلك المرتبة التي مروا عليها ولا يتمكن لاسم أن يكون له حكم في مرتبة غيره فإن صاحب المنزل أحق بالمنزل وهم أرباب الأدب الإلهي ومعلمو الأدب فبقي الاسم العزيز في هذه المرتبة يحفظ عين جوهر المعدن وصاحب المرتبة من الأسماء يتحكم في صورته لا في عين جوهره وللأسماء الإلهية في المولدات والعناصر سدنة من الطبائع ومن العناصر يتصرفون في هذه الأمور بحكم صاحب المرتبة الذي هو الاسم الإلهي وهم المعدن وحرارته وبرد الشتاء وحرارة الصيف والحرارة المطلقة والبرودة والرطوبة واليبوسة ولكل واحد مما ذكرناه حكم يخصه يظهر في جوهر المولدات والعناصر فيسخف ويكثف ويبرد ويسخن ويرطب وييبس ورتبة الكمال من تعتدل فيه هذه الأحكام وتتمانع ولا يقوى واحد منهم على إزالة حكم صاحبه فإذا تنزه الجوهر عن التأثير فخلع صورته عنه ومنع نفسه من ذلك فذلك حكم رتبة الكمال وليس إلا الذهب في المعدن وأما سائر الصور فقامت بها أمراض وعلل أخرجتهم عن طريق الكمال فظهر الزئبق والأسرب والقزدير والحديد والنحاس والفضة كما ظهر الياقوت الأصفر والأكهب في جوهر الياقوت ولما فارقت المعدن الذي هو موطنها في ركن الأرض بقيت على مرضها ظاهرة بصورة الاعتلال دائما فالحاذق النحرير من علماء الصنعة إذا عرف هذا وأراد أن يلحق ذلك المعدن برتبة الكمال ولا يكون ذلك إلا بإزالة المرض وليس المرض إلا زيادة أو نقصا في الجوهر وليس الطب إلا زيادة تزيل حكم النقص أو نصا يزيل حكم الزيادة وليس الطبيب إلا أن يزيد في الناقص أو ينقص من الزائد فينظر الحاذق من أهل النظر في طب المعادن ما الذي صيره حديدا أو نحاسا أو ما كان وحال بينه‏

وبين الذهبية أن يصل إلى منزلتها ويظهر صورتها فيه فيفوز بدرجة الكمال ويجوز صفة العزة والمنع عن التأثير فيه وتساعد هذا الطبيب سباحة الأنوار السبعة في أفلاكها أعني الدراري وهي القمر والكاتب والزهرة والشمس والأحمر والمشتري وكيوان بما في قوتها لما يعطيه بعضها من اختلاف الزمان وحكم كل زمان يخالف حكم الذي يليه من وجه ويوافقه من وجه ويخالفه من جميع الوجوه ولا يمكن أن يوافقه من جميع الوجوه إذ لو وافقه لكان عينه ولم يكن اثنان وهما اثنان بلا شك فالموافقة من جميع الوجوه لا تكون ولكرور هذه الأزمان وتوالي الجديدين أثر في الأركان وأثر في عين الولد في تسوية جوهره وتعديله فإذا سواه وعدله وهو أن يصيره جوهرا قابلا لأي صورة يريد الحق أن يركبه فيها والصور مختلفة فاختلفت المعادن كما اختلف النبات بالصورة كما اختلف الحيوان بالصورة وهو من حيث الجوهر الطبيعي واحد العين ولهذا يعمه من حيث جوهره حد واحد وما تختلف الحدود فيه إلا من أجل الصورة وكذلك في الآباء والأمهات بل جوهر العالم كله واحد بالجوهرية والعين تختلف بالصور وما يعرض له من الأعراض فهو المجتمع المفترق والواحد الكثير صورة الحضرة الإلهية في الذات والأسماء فيرد الحاذق الجوهر المعلول الذي عدلت به علته عن طريق الكمال إلى طريقه ليتمكن من تدبيره وحفظ بقاء صحته عليه ويحفظه مما بقي له في طريقه من منازل التغييرات الحائلة بينه وبين رتبة الكمال وإنما فعل الله هذا بهذا الجوهر في الطريق وسلط عليه من يعله ويمرضه حتى يحول بينه وبين بلوغه إلى رتبة الكمال العدني لمصالح هذا النوع الإنساني لعلمه بأنه يحتاج إلى آلات وأمور لا بد له منها ولا يكون له هذه الآلات إلا بقيام هذه الأمراض بهذا الجوهر وعدوله عن الطريق وحال الله سبحانه بين الأطباء وبين العلم بإزالة هذه الأمراض من هذا الجوهر إلا الأمناء منهم الذين علم الله منهم أنهم يبقون الحكمة على ما وضعها الله في العالم فيبقى الحديد حديدا لما فيه من المنافع التي لا تكون في الذهب ولا في غيره من المعادن كما قال تعالى وأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ يريد أنه أنزله عن رتبة الكمال لأجل ما فيه من منافع الناس فلو صح من مرضه لطغى وارتفع ولم توجد تلك المنافع وبقي الإنسان الذي هو العين المقصودة معطل المنافع المتعلقة بالحديد التي لا تكون إلا فيه ففيه كما قال الله بَأْسٌ شَدِيدٌ ومَنافِعُ لِلنَّاسِ وهكذا سائر المعادن فيها منافع للناس وقد ظهرت واستعملها الإنسان فانظر ما أشد عناية الله بهذا النوع الإنساني وهو غافل عن الله كافر لنعمه متعرض لنقمه ولما علم الله أن في العالم الإنساني من حرمه الله الأمانة ورزقه إذاعة الأسرار الإلهية وسبق في علمه أن يكون لهذا الذي هو غير أمين رزقه في علم التدبير رزقه الشح به على أبناء جنسه بخلا وحسدا ونفاسة أن يكون مثله غيره فترك العمل به غير مأجور فيه ولا موافق لله ثم إن الله كثر المعادن ولم يجعل لهذا الإنسان أثرا إلا فيما حصل بيده منها وما عسى أن يملك من ذلك فيظهر في ذلك القدر تدبيره وصنعته ليعلم العقلاء الحكماء أنه غير أمين فيما أعطاه الله فإنه ما أذن له في ذلك من الله ثم إن الله جعل للملوك رغبة في ذلك العلم فإذا ظهر به من ليس بأمين عندهم سألوه العلم فإن منعهم إياه قتلوه حسدا وغيظا وإن أعطاهم علم ذلك قتلوه خوفا وغيرة ولما علم العالم أن ما له مع الملوك إلا مثل هذا لم يظهر به عندهم ولا عند العامة لئلا يصل إليهم خبره لا أمانة وإنما ذلك خوفا على نفسه فلا يظهر في هذه الصنعة عالم بها جملة واحدة والمتصور فيها بصورة العلم يعلم في نفسه أنه ما عنده شي‏ء وأنه لا بد أن يظهر للملك

دعواه الكاذبة فيأمن غائلته في الغالب من القتل ويقنع بما يصل إليه من جهته من الجاه والمال للطمع الذي قام بذلك الملك فما ظهر عالم بهذه الصنعة قط ولا يظهر غيرة إلهية مع كونه قد رزقه الله الأمانة في نفسه ومن هذا الاسم الإلهي وجود الأحجار النفيسة كاليواقيت واللآلي من زبرجد وزمرد ومرجان ولؤلؤ وبلخش وجعل في قوة الإنسان إيجاد هذا كله أي هو قابل إن يتكون عنه مثل هذا ويسمى ذلك في الأولياء خرق عادة والحكايات في ذلك كثيرة ولكن الوصول إلى ذلك من طريق التربية والتدبير أعظم في المرتبة في الإلهيات ممن يتكون عنه في الحين بهمته وصدقه فإن الشرف العالي في العلم بالتكوين لا في التكوين لأن التكوين إنما يقوم مقام الدلالة على إن الذي تكون عنه هذا بالتدبير عالم وصاحب خرق العادة لا علم له بصورة ما تكون عنه بكيفية تكوينها في الزمن القريب والعالم يعلم ذلك‏

(الفصل الثالث والثلاثون) في الاسم الإلهي الرزاق‏

وتوجهه على إيجاد النبات من المولدات وله من الحروف الثاء المعجمة بالثلاث وله من المنازل سعد بلع قال تعالى إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ وقال أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً ومَتاعاً لِلْمُقْوِينَ فجعلها للعلماء تذكرة


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!