الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[أن الأشياء بأنه أشياء لها حكم‏]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[54] - [أن الأشياء بأنه أشياء لها حكم‏]

واعلم أن الأشياء بآحادها لها حكم وبامتزاجاتها تحدث لها أحكام لم تكن ولا لواحد منها ولا يدرى على الحقيقة من هو المؤثر من أحد الممتزجين هل هو لواحد أو هل لكل واحد فيه قوة والذي حدث لا يقدر على إنكاره فإنا نعرف سواد المداد حدث بعد أن لم يكن من امتزاج الزاج والعفص فهل الزاج صبغ العفص وهو المؤثر والعفص هو المؤثر فيه اسم مفعول ولو كان ذلك لبقي الزاج على حاله إذا كان غير ممتزج وينصبغ ماء العفص والمشهود خلاف ذلك وكذلك القول في العفص فلم يبق إلا حقيقة المزج وهي التي أحدثت السواد ما هو لواحد بعينه حقيقة ما قلناه في الإلهيات سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ويأتي الله يوم القيامة للفصل والقضاء وبيده الميزان يخفض ويرفع الله ولا عالم هل يتصف بوقوع هذا الفعل فظهر بالعالم ما لم يظهر ولا عالم فليس الحكم على السواء

فقال النبي صلى الله عليه وسلم كان الله ولا شي‏ء معه‏

ولم يقل وهو الآن على ما عليه كان كيف يقول ذلك صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بالله وهو الذي جاء من عند الله بقوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ وسَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ وفرغ ربك من كذا وكذا وينزل ربنا إلى السماء وقد كان ولا سماء ولا عالم هل كان يوصف بالنزول إلى من أو من أين ولا أين ثم أحدث الأشياء فحدثت النسب فاستوى ونزل وأخذ الميزان فخفض ورفع بذا وردت الأخبار التي لا تردها العقول السليمة من الأهواء والايمان بها واجب والكيف غير معقول فهو الواحد الواجد الأحد الماجد الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ لو لا وجود النفس واستعدادات المخارج‏

في المتنفس ما ظهر للحروف عين ولو لا التأليف ما ظهر للكلمات عين فالوجود مرتبط بعضه ببعض فلو لا الحرج والضيق ما كان للنفس الرحماني حكم فإن التنفيس هو إزالة عين الحرج والضيق فالعدم نفس الحرج والضيق فإنه يمكن أن يوجد هذا المعدوم فإذا علم الممكن إمكانه وهو في حال العدم كان في كرب الشوق إلى الوجود الذي تعطيه حقيقته ليأخذ بنصيبه من الخير فنفس الرحمن بنفسه هذا الحرج فأوجده فكان تنفيسه عنه إزالة حكم العدم فيه وكل موجود سوى الله فهو ممكن فله هذه الصفة فنفس الرحمن هو المعطي صور الممكنات الوجود كما أعطى النفس وجود الحروف فالعالم كلمات الله من حيث هذا النفس كما قال وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وهو عين عيسى عليه السلام وأخبر أن كلمات الله لا تنفد فمخلوقاته لا تزال توجد ولا يزال خالقا وكذلك لما رأينا في هذه الأجسام العنصرية أمورا مختلفة الصور مختلفة الأشكال مختلفة المزاج ومع هذا ما يخرجها ذلك الاختلاف عن حقيقة كونها يجمعها حد واحد وحقيقة واحدة كأشخاص الحيوان على اختلاف أنواعه وأشكاله كالطير لا يخرجه ما ظهر فيه من اختلاف المقادير والأشكال والألوان عن كونه طيرا فعلمنا إن هذا الاختلاف ما هو لكونه إنسانا ولا لكونه طيرا فإن الإنسانية في كل واحد واحد من أشخاصها مع ظهور الاختلاف فلا بد لذلك من حقائق أخر معقولة أوجبت لها ذلك الاختلاف فبحثنا عن ذلك في العلم الإلهي الذي هو مطلوبنا إذ كان الوجود مرتبطا به فوجدناه تعالى لا يكرر تجليا ويظهر في صورة ينكر فيها وفي صورة يعرف فيها وهو الله تعالى في الصورتين الأولى والآخرة وفي كل صور التجلي فقامت صور التجلي في الألوهة مقام اختلاف أحوال صور أشخاص النوع في النوع فعلمنا أن تغير أشخاص النوع من هذه الحقيقة الإلهية فعلمنا إنا ما علمنا من الحق إلا ما أشهدنا وأن الله تجلى للنوع من حيث ما هو نوع فلم يتغير عن نوعيته كما لم يزل إلها في ألوهته ثم يظهر لذلك النوع في صور مختلفة اقتضتها ذاته تعالى فظهر في أشخاص النوع اختلاف صور على وزنها ومقدارها فلو لا أنه في استعداد هذا النوع المتغير بالشخص في الأشكال والألوان والمقادير التي لا تخرجه عن نوعيته لما قبل هذا التغيير ولكان على صورة واحدة وإذا كان الكثيف مع كثافته مستعد القبول الصور المختلفة بصنعة الصانع فيه كالخشب وما تصور

منه بحسب ما يقوم في نفس الصانع من الصور المختلفة فاللطيف أقبل للاختلاف كالماء والهواء فما كان ألطف كان أسرع بالذات لقبول الاختلاف فتبين لك أن اختلاف صور العالم من أعلاه لطفا إلى أسفله كثافة لا يخرج كل صورة ظهر فيها عن كونه نفس الرحمن قال تعالى والله أَنْبَتَكُمْ من الْأَرْضِ نَباتاً فالأرض واحدة وأين صورة النجم من صورة الشجر على اختلاف أنواعها من صورة الإنسان من صور الحيوان وكل ذلك من حقيقة عنصرية ما زالت عنصريتها باختلاف ما ظهر فيها فاختلاف العالم بأسره لا يخرجه عن كونه واحد العين في الوجود فزيد ما هو عمرو وهما إنسان فهما عين الإنسان لا غيره فمن هنا تعرف العالم من هو وصورة الأمر فيه إن كنت ذا نظر صحيح وفي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ ما ثم إلا النفس الناطقة وهي العاقلة والمفكرة والمتخيلة والحافظة والمصورة والمغذية والمنمية والجاذبة والدافعة والهاضمة والماسكة والسامعة والباصرة والطاعمة والمستنشقة واللامسة والمدركة لهذه الأمور واختلاف هذه القوي واختلاف الأسماء عليها وليست بشي‏ء زائد عليها بل هي عين كل صورة وهكذا تجده في صور المعادن والنبات والحيوان والأفلاك والأملاك فسبحان من أظهر الأشياء وهو عينها

فما نظرت عيني إلى غير وجهه *** وما سمعت أذني خلاف كلامه‏

فكل وجود كان فيه وجوده *** وكل شخيص لم يزل في منامه‏

فتعبير رؤيانا لها في منامنا *** فمن لام فليلحق به في ملامه‏

ومما يتعلق بهذا الباب وبباب ركن الماء ما يظهر فيهما من السخانة عن الشعاعات النورية المنفهقة من ذات الشمس أين أصلها في العلم الإلهي فإن الأجسام الأرضية والمائية إذا اتصلت بها أشعة الأنوار الشمسية والكوكبية يرى بعض الأجسام يسخن عند انبساط الشعاع عليه وبعض الأجسام على برده لا يقبل التسخين مع اختراق الشعاعات ذلك الجسم كدائرة الزمهرير وما علا من الجولا أثر لحر الشعاعات فيه‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!