الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[إن الأسباب مختلفة]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[19] - [إن الأسباب مختلفة]

وأما الوجه الآخر من التلقي فهو ما يستفيده من السبب ولا تحصى طرقه فإن الأسباب مختلفة فأين سببية العقل فيما يظهر على النفس من توجهه وتلقيها من سببية السماء فيما يظهر على الأرض من النبات من توجهها عليها بما تلقيه من الغيث فيها وتلقيها لذلك ولكل حركة فلكية ونظر كوكب في العالم العلوي وإمداد الطبيعة كل ذلك أسباب لوجود زهرة تظهر على وجه الأرض أين هذا من توجه سببية العقل فلهذا قلنا ما تنحصر أسبابه مع كونها منحصرة في نفس الأمر فمن النفس إلى آخر ركن في العالم وبعض المولدات ما بين النفس وآخر ركن‏

من الأفلاك والكواكب والحركات في وجود عين تلك الزهرة والورقة أثر وحكم عن أمر إلهي قد يعلمه السبب الحادث وقد لا يعلمه وهي أسباب ذاتية كلها ومنها عرضية كإلقاء المدرس الدرس على الجماعة فهذا من الأسباب العرضية وهو كل ما كان للسبب فيه إرادة وما عدا ذلك فهو ذاتي فالعلاقة التي بين الأسباب والمسببات لا تنقطع فإنها الحافظة لكون هذا سببا وهذا مسببا عنه ولما أوجد الله هذه النفس الكلية من نفس الرحمن بعد العقل كوجود الهاء بعد الهمزة أو الهمزة بعد الهاء في النفس الإنساني المخلوق على الصورة فهو في النفس الرحماني نفس كلية وفي النفس الإنساني هاء وضمير وكناية فهي تعود من حيث ما هي ضمير على من أوجدها فإنها عين الدلالة عليه فافهم فإن الدلالة لا تكون إلا في الثاني فإنه يطلب الأول وليس الأول يطلب الثاني بحكم الدلالة ولهذا

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من عرف نفسه عرف ربه‏

وهو الثاني فإنه موضع الدلالة وقال في الأول فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ فنزهه عن الدلالة ولهذا لا يصح أن يكون علة وإليه الدلالة

بقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان الله ولا شي‏ء معه‏

فهو غني عن الدلالة وفي هذه الرتبة أوجد الله البطين من المنازل التي تنزلها الجواري والكواكب البطيئة الحركة


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!