الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«القيوم حضرة القيومية»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[76] - «القيوم حضرة القيومية»

إلى القيوم لا أبغي سواه *** قطعت مفاوزا فيه وآلا

عسى أحظى بجود ما أراه *** يزول بنا فينتقل انتقالا

إذا ما أمت الأفكار ذاتي *** يورثها تفكرها خيالا

ويعقبها إذا تمشي إليه *** بلا فكر وصالا واتصالا

[القيومية من نعوت الحي‏]

يدعى صاحبها عبد القيوم ولما كانت القيومية من نعوت الحي استصحبته فما تذكر إلا وهي معه فهي القيوم عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ فكل معلوم حي فكل معلوم قيوم أي له قيومية وكذلك هو فإنه لو لا أنه قيوم ما أعطى العالم علمه وبعلمه أعطى العالم خلقه لأنه لا يعطيه إلا علمه فيه وعلمه فيه إنما كان منه فلا بد أن يظهر في وجوده بخلقه من غير زيادة ولا نقصان ولا يكون إلا كذا ولذا قال موسى رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ فأخبر بإحاطة علمه ولم يكن ذلك لفرعون مع دعواه الربوبية فعلم فرعون ما قالاه وسكت وتبين له أنه الحق لكن حب الرئاسة منعه من الاعتراف‏

الذي قام بنا في كوننا *** يا خليلي إنما قام بنا

فإذا حققت ما فهت به *** فاحكم إن شئت علينا أو لنا

ما ثنى الجود علينا جوده *** بسوانا فقل الجود أنا

ما نعمنا بسوانا فانظروا *** في كلامي تجدوه بينا

فسرت القيومية بذاتها في كل شي‏ء ولهذا قال لنا وقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فلو لا سريان القيومية فينا ما أمرنا وكذلك فعلنا قمنا له وبه فمنا شاهدت ذلك عيانا كما شهدته إيمانا وإنما تعجبت ممن يقول بأن القيومية لا يتخلق بها وإنها من خصائص الحق والقيومية بالكون أحق لأنها سارية فيه وبها ظهرت الأسماء الإلهية فبها أقام الكون الحق أن يقيمه ولو لا ذلك ما ظهر للخلق عين ولا حكم الألف قيوم الحروف وليس بحرف فهو مظهرها وهو لا يشبهها فامتداده لذاته لا يتناهى وامتداد حكمه بإيجاد الحرف غير متناه لأن في طريقه منازل الحروف بالقوة والاستعداد فإذا انتهى إلى منزل ما من منازلها وقف عنده ليرى أي حرف هو فبرز الحرف فسمى ذلك المكان مخرج ذلك الحرف فيعلمه وهو

الذي أحدثه فهو مثل قوله تعالى ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ فلو لا القيومية السارية في النفس ما ظهرت الحروف ولو لا القيومية الظاهرة في الحروف بحكمها ما ظهرت الكلمات بتأليفها وإنما جئنا بهذا ضرب مثال محقق واقع لوجود الكائنات عن نفس الحق فاعلم ذلك وقد تقدم ذكره في باب النفس من هذا الكتاب واعلم أنه في ليلة تقييدي هذا الوجه أريت في النوم ورقة زنجارية اللون جاءت إلي من الحق مكتوبة ظهرا وبطنا بخط خفي لا يظهر لكل أحد فقرأته في النوم لضوء القمر فكان فيه نظما ونثرا واستيقظت قبل أن أتم قراءته فما رأيت أعجب منه ولا أغمض من معاينة لا يكاد يفهم فكان مما عقلت من نظمه ما أذكره وكان في حق غيري كذا قرر لي في النوم وذكر لي الشخص الذي كان في حقه فعرفته وكأني في أرض الحجاز في برية ينبوع بين مكة والمدينة

إذا دل أمر الله في كل حالة *** على العزة العظمى فما ينفع الجحد

وجاء كتاب الله يخبر انه *** من الله تحقيقا فذلكم القصد

ولله عين الأمر من قبل إذ أتى *** إلي بما يجريه فيه ومن بعد

فسبحان من حيي الفؤاد بذكره *** فكان له الشكر المنزه والحمد

إذا كان عبدي هكذا كنت عينه *** وإن لم يكن فالعبد عبدك يا عبد

وأما النثر فأنسيته لما استيقظت إلا إني أعرف أنه كان توقيع من الحق لي بأمور انتفع بها هذا جل الأمر وهي في خاطري مصورة من أسباب الدنيا يتسع فيها رزق الله ويشكر الله تعالى من كان ذلك على يده ويثبته والله عَلى‏ ما نَقُولُ وَكِيلٌ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!