الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«الحضرة الربانية وهي الاسم الرب»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[2] - «الحضرة الربانية وهي الاسم الرب»

الرب مالكنا والرب مصلحنا *** والرب ثبتنا لأنه الثابت‏

لو لا وجودي وكون الحق أوجدني *** ما كنت أدري بأني الكائن الفائت‏

فالحق أوجدني منه وأيدني *** به لذلك ادعى الناطق الصامت‏

[لاسم الرب خمسة أحكام‏]

ولها خمسة أحكام الثبوت على التلوين والسلطان على أهل النزاع في الحق والنظر في مصالح الممكنات والعبودة التي لا تقبل العتق وارتباط الحياة بالأسباب المعتادة فأما الثبوت على التلوين فهو في قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ وقوله يُقَلِّبُ الله اللَّيْلَ والنَّهارَ فما من نفس في العالم إلا وفيه حكم التقليب أ لا ترى إلى الشمس التي هي علة الليل والنهار تجري لا مستقر لها ليلا ولا نهارا أ لا ترى إلى الكواكب كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ما قال يستقرون في ثلاثمائة وستين درجة كل درجة بل كل دقيقة بل كل ثانية بل كل جزء لا يتجزأ من الفلك إذا أنزل الله فيه أي كوكب كان من الكواكب يحدث الله عند نزوله في كل جوهر فرد من عالم الأركان ما لا يعرف ما هو إلا الله الذي أوجده ويحدث في الملإ الأوسط من الأرواح السماوية التي تحت مقعر فلك البروج من العلوم بما يستحقه الحق عز وجل من المحامد على ما وهبهم من المعارف الإلهية كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ والله عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ والذين في هذا الملإ هم أهل الجنان وفي عالم الأركان وفي بعض هذا الملإ هم أهل النار الذين هم أهلها ويحدث في الملإ الأعلى وهو ما فوق فلك البروج إلى معدن النفوس والعقول إلى العماء من العلوم التي تعطيها الأسماء الإلهية ما يؤديهم إلى الثناء على الله بما ينبغي له تعالى من حيث هم لا من حيث الأسماء فإن الأسماء الإلهية أعظم إحاطة مما هم عليه فإن تعلقها في تنفيذ الأحكام غير متناه وأما السلطان الذي لهذه الحضرة على أهل النزاع في الحق فهو إن المقالات اختلفت في الله اختلافا كثيرا من قوة واحدة وهي الفكر في أشخاص كثيرين مختلفي الأمزجة والأمشاج والقوي ليس لها من يمدها إلا مزاجها الطبيعي وحظ كل شخص من الطبيعة ما يعطيه من المزاج الذي هو عليه فإذا أفرغت قوتها فيه حصل له استعداد به يقبل نفخ الروح فيه فيظهر عن النفخ وتسوية الجسم الطبيعي صورة نورية روحانية ممتزجة بين نور وظلمة ظلمتها ظل ونورها ضوء فظلها هو الذي مده الرب فهو رباني أَ لَمْ تَرَ إِلى‏ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ونورها ضوء لأن استنارة الجسم الطبيعي إنما كان بنور الشمس وقد ذكر الله أنه جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والْقَمَرَ نُوراً فلهذا جعلنا نورها ضوءا من أجل الوجه الخاص الذي لله في كل موجود أو من كون إفاضة الضوء على مرآة الجسم المسوي فظهر في الانعكاس ضوء الشمس كظهوره من القمر فلذا سمينا الروح الجزئي نورا لأن الله جعل القمر نورا فهو نور بالجعل كما كانت الشمس ضياء بالجعل وهي بالذات نور والقمر بالذات محو فللقمر الفناء وللشمس البقاء

فللقمر الفناء بكل وجه *** وللشمس الإضاءة والبقاء

وللوجه الجميل بكل حسن *** لنا منه البشاشة واللقاء

حمينا حسنه من كل عين *** كما يحمى من الشجر اللحاء

نزلنا بالسماء على وجود *** له العرش المحيط له العماء

له الإقبال والإدبار فينا *** له حكم السنا وله السناء

إذا يدنو فمجلسه رحيب *** وإن يعلو بنا فلنا الثناء

له حكم الإرادة في وجودي *** هو المختار يفعل ما يشاء

ثم تبعث القوي الروحانية والحسية لخلق هذا الروح الجزئي المنفوخ بطريق التوحيد لأنه قال ونَفَخْتُ وأما روح عيسى فهو منفوخ بالجمع والكثرة ففيه قوى جميع الأسماء والأرواح فإنه قال فَنَفَخْنا بنون الجمع فإن جبريل عليه السلام وهبه لها بَشَراً سَوِيًّا فتجلى في صورة إنسان كامل فنفخ وهو نفخ الحق كما قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فلما تبعته هذه القوي كان منها القوة المفكرة أعطيت للإنسان لينظر بها في الآيات في الآفاق وفي

نفسه ليتبين له بذلك أنه الحق واختلفت الأمزجة فلا بد أن يختلف القبول فلا بد أن يكون التفاضل في التفكر فلا بد أن يعطي النظر في كل عقل خلاف ما يعطي الآخر حتى يتميز في أمر ويشترك مع غيره في أمر فهذا سبب اختلاف المقالات فيحكم الرب بين أصحاب هذه المقالات بما يجي‏ء به الشرع المنزل فتبقى العقول واقفة في أدلتها ورجع اختلاف نظرها في المواد الشرعية بعد ما كانت أولا ناظرة بالنظر العقلي وذلك ليس إلا للمؤمنين والمؤمنات خاصة قالوا قفون مع حكم الرب في ذلك بين المتنازعين هم المؤمنون ولهم عين الفهم فاختلفوا مع الاتفاق فاختلافهم في المفهوم من هذا الذي حكم به الرب في حق الحق وهذا هو الحق الذي نصبه الشرع للعباد وبما سمي به نفسه نسميه وبما وصف به ذاته نصفه لا نزيد على ما أوصل إلينا ولا نخترع له أسماء من عندنا وأما نزاع غير المؤمنين في اختلاف عقائدهم فيكون الشارع واحدا منهم في كونه نزع في الحق منزعا لم ينزعوه لكونهم غير مؤمنين فالحاكم بينهما أعني بين الشرع والعقلاء غير المؤمنين إنما هو الله بصور التجلي به يقع الفيصل بينهما ولكن في الدار الآخرة لا هنا فإن في الدار الآخرة يظهر حكم الجبر فلا يبقى منازع هناك أصلا ويكون الملك هناك لله الواحد القهار وتذهب الدعاوي من أربابها وتبقي المؤمنون هنالك سادات الموقف على كل من في الموقف وأما النظر في مصالح الممكنات الذي لهذه الحضرة

[الرب ينظر بالأولوية في وجود الممكن وعدمها]

فاعلم أن الممكنات إذا نظرتها من حيث ذاتها لم يتعين لقبولها من الأطراف طرف تكون به أولى فيكون الرب ينظر بالأولوية في وجودها وعدمها وتقدمها في الوجود وتأخرها ومكانها ومكانتها ويناسب بينها وبين أزمنتها وأمكنتها وأحوالها فيعمد إلى الأصلح في حقها فيبرز ذلك الممكن فيه لأنه لا يبرزه إلا ليسبحه ويعرفه بالمعرفة التي تليق به مما في وسعه أن يقبلها ليس غير ذلك فلهذا ترى بعض الممكنات يتقدم على بعض ويتأخر ويعلو ويسفل ويتلون في أحوال ومراتب مختلفة من ولاية وعزل وصناعة وتجارة وحركة وسكون واجتماع وافتراق وما أشبه ذلك وهو تقليب ممكنات في ممكنات في غير ذلك ما تتقلب‏

[العبودة التي لا تقبل العتق‏]

وأما العبودة التي لا تقبل العتق فهي العبودة لله فإن العبودة على ثلاثة أقسام عبودة لله وعبودة للخلق وعبودة للحال وهي العبودية فهو منسوب إلى نفسه ولا يقبل العتق من هذه الثلاثة إلا عبودة الخلق وهي على قسمين عبودة في حرية وهي عبوديتهم للأسباب فهم عبيد الأسباب وإن كانوا أحرارا وعبودية الملك وهي العبودية المعروفة في العموم التي يدخلها البيع والشراء فيدخلها العتق فيخرجه عن ملك المخلوق وبقيت الحيرة في ملك الأسباب هل يخرج من استرقاق الأسباب أم لا فمن يرى أن الأسباب حاكمة عليه ولا بد ومن المحال الخروج عنها إلا بالوهم لا في نفس الأمر قال ما يصح العتق من رق الأسباب ومن قال بالوجه الخاص وهو الذي لا اشتراك فيه قال بالعتق من رق الأسباب وعتقه معرفته بذلك الوجه الخاص فإذا عرفه خرج عن رق الأسباب وأما عبودة الله وعبودة العبودية وهي عبودة الحال فلا يصح العتق فيها جملة واحدة

[ارتباط الحياة بالأسباب المعتادة]

وأما ارتباط الحياة بالأسباب المعتادة فأظهر ما يكون فيما يقع به الغذاء لكل متغذ من الغذاء المعنوي والمحسوس فالغذاء المحسوس معلوم والغذاء المعنوي ما تتغذى به العقول وكل من حياته بالعلم كان ما كان وعلى أي طريق كان فكم من علم يحصل للعالم به من طريق الابتلاء وذلك لإقامة الحجة فيمن من شأنه الطلب وهو سار في جميع الموجودات وقد بينا ذلك في عضو البطن من مواقع النجوم ولو لا التطويل بينا في هذه الحضرة ما يتعلق من الأسرار بها فلا ننبه من كل حضرة إلا على طرف منها ولهذا الاسم الرب إضافات كثيرة تجتمع في الإضافة وتفترق بحسب ما يضاف إليه فثم إضافة للعالمين ولكاف الخطاب من مفرد فَوَ رَبِّكَ ومثنى فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى‏ ومجموع رَبَّكُمُ وإلى الآباء وإلى ضمير الغائب ربه وربهم وإلى السماء والسموات وإلى الأرض وإلى المشرق والمغرب وإلى المشارق والمغارب وإلى الناس وإلى الفلق وإلى ضمير المتكلم فلا تجده أبدا إلا مضافا فعلمك به من‏

حيث من هو مضاف إليه فافهم والكلام في هذه التفاصيل يطول والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!