«قد أخبر النبي صلى اللّٰه عليه و سلم أن النشأة تقوم على عجب الذنب» فإذا أظهرت الرجل و الساق و الفخذ و المقعدة فعن حركة منكوسة و ما ظهر من عجب الذنب إلى وجود الرأس فعن حركة مستقيمة و ما ظهر في الاتساع عن جهة اليمين و الشمال و الخلف و الأمام فعن حركة أفقية و كل ذلك عندنا حركة مستقيمة و إنما الحركة المنكوسة عندنا كل حركة في متحرك يكون بخلاف ما يقتضيه طبعه و ذلك لا يكون إلا في الحركة القهرية لا في الحركة الطبيعية فإذا تحرك كل جسم نحو أعظمه فتلك حركته الطبيعية المستقيمة كحركة اللهب نحو الأثير و جسم الحجر نحو الأرض فإذا تحرك الجسم الناري نحو الأرض و السفل و تحرك الحجر نحو العلو كانت الحركة منكوسة و هي الحركة القسرية فإذا انتهى النمو في الجسم بحيث أن لا يقبله الجسم من الوجه الذي لا يقبله ثم تحرك ذلك الجسم في ذلك الوجه فما حركته حركة إنبات و نمو كالجسم الذي قد تناهي في الطول إلى غايته فيه على التعيين فما له حركة نمو في تلك الجهة فإذا تحرك إلى جهة الطول تحرك بكله لا للطول بل للانتقال من مكانه إلى مكان الطول سفلا أو علوا و انظر فيما حررناه في حركة النبات في أنها ليست بحركة منكوسة فإذا البذرة تمد فروعا إلى جهة الفوق و تمد فروعا إلى جهة التحت و غذاؤها ليس أخذ النبات له من الفروع التي في التحت المسماة أصولا و إنما أخذ النبات الغذاء من البذرة التي ظهرت عنها هذه الفروع و لهذا يحصل اليبس في بعض فروع التحت كما يحصل في الفروع الظاهرة الحاملة الورق و الثمر مع وجود النمو و الحياة في باقي العروق و الفروع كما ينقسم الدم من الكبد في العروق إلى سائر الأعضاء علوا و سفلا فالذي ينبغي أن يقال في الحركات المعنوية و الحسية إنها ثلاث حركات حركة من الوسط و هي التي تعطي ما ظهر عن الأصل الذي منه تنشأ الأجسام الطبيعية و حركة إلى الوسط و هي الإمداد الإلهي و حركة في الوسط و هي ما به بقاء عين الأصل و ما من نبات إلا و هو دواء و داء أي فيه منفعة و مضرة بحسب قبول الأمزجة البدنية و ما هي عليه من الاستعداد فيكون المضر لبعض الأمزجة عين ما هو نافع لمزاج غيرها فلو كان لعينه لم يختلف حكمه و إنما كان للقابل و القابل نبات كما هو نبات فما أثر بضرره و لا نفعه إلا في نفسه من كونه نباتا و إن كثرت أشخاصه و تميزت بالشخصية و إنما نبهنا بهذا على أعيان أشخاص العالم و ما أثر بعضه في بعضه و العين واحدة بالحد الذاتي كثير بالصور العرضية و قد أعلمتك في غير موضع من هو عين العالم الظاهر و أنه غير متغير الجوهر و لمن هو الحكم الذي ظهر به التغيير في هذه العين و أنه مثل ظهور التغيير في صور المرآة لتغيير هيأت الرائي و قد يكون لتغيير المتجليات في أنفسها و المرآة محل ظهور ذلك لعين الرائي فالعماء الذي هو النفس الإلهي هو القابل لهذه الصور كلها فاعلم ذلك ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الفصل الرابع و الثلاثون»في الاسم الإلهي المذل
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية