
كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
![]() |
![]() |
موعظة
روينا من حديث محمد الحميدي قال: نبأ محمد بن إبراهيم، نبأ ابن أبي الحديد، عن أبي بكر بن جعفر قال: نبأ عمر بن شيبة قال:
قال عبد الملك بن قريب الأصمعي: ولي أعرابي ناحية من نواحي البصرة، فكان يخطب بهم يوم الجمعة، فقام يوما، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
أيه الناس، إنه في سنن من كان قبلكم لعظة، وما أخطأ القائل حيث قال:
أين الملوك التي عن خطبها غفلت حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيه
والنفس تكلف بالدنيا وقد علمت أن السلامة منها ترك ما فيه
روينا من حديث الخرائطي قال: نبأ إبراهيم بن الجنيد، نبأ محمد بن يحيى بن عبد
الكريم، نبأ جعفر بن أبي جعفر السراري، حدثني أبو جعفر محمد بن قدامة قال:بلغن أنه كان بالبصرة امرأة، وكان إذا جنّها الليل ونامت كل ذي عين، تخرّ ساجدة، و تنادي في سجودها: أما لك يا مولاي عذاب تعذّبني به إلا النار؟ ولا تزيد عليه حتى تصبح.
وبه قال: بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام مرّ بأربعمائة ألف امرأة متغيّرات الألوان، وعليهن مدارج الشعر والصوف، فقال عيسى عليه السلام:
ما الذي غيّر ألوانكن معاشر النسوة؟ قلن: ذكر النار غيّر ألواننا يا ابن مريم، إن من دخل النار لا يذوق بردا ولا شرابا.
ومم قيل في الوطن: ميلك إلى موضع مولدك من كريم مجدك، إذا كانت الطير تحنّ إلى أوكارها، فالإنسان أولى بالحنين إلى أوطانه.
قالت الفرس: تربة الصبي تغرس في القلب رقة وحلاوة.
قيل لبعض العرب: ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزوم الأوطان، والجلوس مع الإخوان.
قيل له: فما اللذة؟ قال: التنقّل في البلدان، والتنحّي عن الأوطان، ثم أنشد:
طلب المعاش مفرّق بين الأحبّة والوطن
ومصيّر جلد الرجا ل إلى الضراعة والوهن
حتى يقاد كما يقا د النضو في ثني الرسن
ثم المنيّة تأته فكأنه ما لم يكن
ومن أحسن ما قيل في الآيات وحب الأوطان من الشعر:
و باشرتها فاستعجلت عن قناعها وقد تستخفّ الطامعين المباشر
وخبّرها الروّاد أن ليس بينها وأين قرى نجران والدرب ساتر
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى كما قرّ عينا بالإياب المسافر
قيل لأعرابي: ما السرور؟ قال: أوبة بغير خيبة، وألفة بغير غبّة.
وقيل لآخر: ما السرور؟ قال: غيبة تفيد غنى، وأوبة تعطيك منى.
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب به أهل ميّ هاج قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنما هوى كل نفس أين حلّ حبيبه
و قيل في الغربة:وأنزلني طول النوى أرض غربة إذا شئت لاقيت الذي لا أشاكله
فحامقته حتى يقال شجيّة ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
ولو كنت في أهلي وجلّ عشيرتي للاقيت فيهم أخرقا لا أواصله
ومما قال: من نفي هواه ومنع حماه:
و مستخفيات ليس يخفين دوننا ويسحبن أذيال الصبا لذوي الشكل
مريضات رجع القول يله عن الخنا تألّفن أهواء الرجال بلا بدل
جمعن الهوى حتى إذا ما ملكنه نزعن وقد أكثرن فينا من القتل
قوله: مريضات، رجع القول.
قوله تعالى: فَل تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ اَلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وهو غير المتّقي.
ومن هذ الباب قول الآخر:
لا و الذي تسجد الجباه له ما لي إلى تحت ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت به ما كان إلا الحديث والنظر
قال النابغة:
زعم الهمام بأن فاها بارد عذب مقبّله شهيّ المورد
زعم الهمام ولم أذقه إنه يشفي بريا ريقها العطش الصدى
ومن هذا الباب قول ابن المعتز:
قد كان يكفيك ما بالجسم من سقم لم زدتني سهرا لأمسّك السهر
عيني مورقة والجسم مختبل والقلب بينهما تخلو به الفكر
يا مانعي لذة الدنيا بما رحبت إني ليقنعني من وجهك النظر
ومن هذا الباب لأبي فراس:
الحبّ آمره والصون زاجره والصبر أول ما يأتي وآخره
إن الفتى إن صبا أو شفّه غزل فللعفاف وللتقوى مأزره
وأشرف الناس أهل الحبّ منزلة وأشرف الحب ما عفّت سرائره
ومن هذا الباب لجميل بن معمر العذري:
وكان التفرّق عند الصبا ح عن مثل رائحة العنبر
خليلان لم يقربا ريبة ولم يستحقا إلى منكر
![]() |
![]() |