الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


حكمة

الغربة كربة، والقلّة ذلّة.

وقال القائف: إذا أحسّت النفس بمولدها تفتحت مسامّها، فعرفت النسيم، وأكثرت الشميم.

و قال آخر: يحنّ اللبيب إلى وطنه كما يحنّ النجيب إلى عطنه.

وقال بعضهم: كما أن لحاضنتك حقّ لبنها، فكذلك لأرضك حرمة وطنها.

وشبّهت الحكماء الغريب باليتيم اللطيم، ثكل أباه وأمه، فلا أم ترامه، ولا أب يحرب عليه.

وفي المثل: أوضح من مرآة الغريب.

قالت الحكماء: أكرم الخيل أجزعها من السوط، وأكيس الصبيان أشدّهم بغضا للكتاب، وأكرم الإبل أشدهم حنينا إلى أوطانها، وأكرم المهارى أشدها ملازمة لأمهاتها، وخير الناس آلفهم للناس.

وقال بعض الشعراء في الوطن:

ألا ليت شعري والحوادث جمة متى تجمع الأيام ما فرّق الشملا

وكل غريب سوف يمسي بذلّة إذا بان عن أوطانه وجفا الأهل

وأنشدنا أبو بكر بن سكر قال: كان المازني ينشد لعروة:

اقرأ على الوشل السلام وقل له كل المشارب مذ هجرت ذميم

جبل ينيف على البلاد إذا بدا بين الغدائر والزمان مقيم

لو كنت أملك منع ما بك لم يذق ما في قلاتك ما حييت لئيم

وأنشدنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الوزعي بمسجد ابن عتّاب بقرطبة لمجنون بني عامر:

إلى عامر أصبو وما أرض عامر هي الرملة الوعساء والبلد الرحب

معاشر بيض لو وردت بلادهم وردت بحورا للندى ماؤها عذب

إلى ما بدت للناظرين خيامهم فثمّ العتاق القبّ والأسل القضب

وأنشدنا أبو الحسن علي بن خروف بمنزلي لامرأة من عقيل:

خليليّ من سكان ماوان هاجني هبوب جنوب مرّها وانتسامها

فإن تسألاني ما ورائي فإنني بمنزلة أعيا الطبيب سقامه

وأنشدنا:

أقول لقوم ألف الدهر بينهم وبيني والأيام تحوي وتفرق

فإني وإن أحمدت عقد وصالكم ففي غير مثوى أرضكم أتشرّق

سقى الله قومي كل يوم وليلة عوارض مزن صوبها يتدفق


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!