
كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
![]() |
![]() |
موعظة
حدثن محمد بن محمد، نبأ الحريري، نبأ أبو بكر الخياط، نبأ ابن دوست، نبأ ابن صفوان، عن أبي بكر بن أبي الدنيا، عن أبي جعفر مولى بني هاشم، عن عمرو بن الحصين، عن يحيى بن العلاء، عن زيد العمي قال: شهدت جنازة هشام بن عبد الملك فسمعت كاتبه يقول:
وم سالم عما قليل بسالم ولو كثرت أحراسه وكتائبه
ومن يك ذا باب شديد وحجب فعما قليل يهجر الباب حاجبه
وتصبح بعد الحجب للناس عبرة رهينة بيت لم تسيّر جوانبه
فما كان إلا الدفن حتى تحوّلت إلى غيره أجناده ومواكبه
وأصبح مسرورا به كل كاشح وأسلمه جيرانه وأقاربه
ووقف الفضل الرقاشي على المقبرة فقال:
يا أهل الديار الموحشة والمحالّ المقفرة، التي نطق بالخراب فناؤها، وشيّد بالتراب بناؤها، فمحلّها مقترب، وساكنها مغترب، لا يتواصلون تواصل الإخوان، ولا يتزاورون
تزاور الجيران، قد طحنهم بكلكله البلا، وأكلهم الجندل والثرى. عليكم منّا سلام.وأنشد:
سلام على أهل القبور الدوارس كأنكم لم تجلسوا في المجالس
ولم تشربوا من بارد الماء شربة ولم تأكلوا ما بين رطب ويابس
ألا خبّروني أين قبر ذليلكم وقبر العزيز الباذخ المتشاوس
ورأيت على قبر باذخ لسيده مكتوبا شعر:
أرى أهل القبور إذا توافوا بنوا تلك المقابر بالصخور
أبوا إلا مباهاة وفخرا على الفقراء حتى في القبور
لعمر أبيهم لو أبرزوهم لما علموا الغنيّ من الفقير
ولا عرفوا العبيد من الموالي ولا عرفوا الإناث من الذكور
ولا البدن الملبس ثوب صوف ولا البدن المنعّم في الحرير
إذا ما مات هذا ثم هذا فما فضل الغنيّ على الفقير
وقام الحسن على قبر فقال: إن امرأ هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله، وإن امرأ هذ أوله لحقيق أن يخاف آخره.
![]() |
![]() |