كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
![]() |
![]() |
موعظة
روينا من حديث المالكي قال: حدثنا علي بن الحسن الربعي قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن القرشي، عن أبيه قال: كتب بعض الحكماء إلى ملك من ملوكهم: إن أحقّ الناس بذمّ الدنيا وقلاها من بسط له فيها، وأعطى حاجته منها، لأنه يتوقع آفة تعدو على ماله فتجتاحه، أو على جمعه فتفرقه، أو تأتي سلطانه من القواعد فتهدمه، أو تدبّ إلى جسمه فتسقمه، وتفجعه بمن هو ضنين به من أحبابه وأهل مودّته، فالدنيا أحقّ بالذمّ، هي الآخذة ما تعطي، الراجعة فيما تهب، بينما تضحك صاحبها إذ أضحكت منه غيرة، وبينم هي تبكي له إذ أبكت عليه، وبينما هي تبسط كفيه بالإعطاء إذ بسطتها بالمسألة، تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم، وتعفره بالتراب غدا، سواء عليها ذهاب من ذهب، وبقاء من بقي، تجد في الباقي من الذهب خلفا، وترضى من كل بدلا.
روي عن المزني قال: دخلت على الشافعي رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه، فقلت له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، و بكأس المنية شاربا، وعلى الله واردا، فلا أدري أروحي تصير إلى الجنة
فأهنّئها، أم إلى النار فأعزّيها؟ ثم أنشأ يقول:ولم قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت رجائي نحو عفوك سلّما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظم
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منّة وتكرّم
![]() |
![]() |





