الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


(فأما فتنة النساء)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

(فأما فتنة النساء)

(فأما فتنة النساء)

فصورة رجوعه إلى الله في محبتهن بأن يرى أن الكل أحب بعضه وحن إليه فما أحب سوى نفسه لأن المرأة في الأصل خلقت من الرجل من ضلعه القصيري فينزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الإنسان الكامل عليها وهي صورة الحق فجعلها الحق مجلى له وإذا كان الشي‏ء مجلى للناظر فلا يرى الناظر في تلك الصورة إلا نفسه فإذا رأى في هذه المرأة نفسه اشتد حبه فيها وميلة إليها لأنها صورته وقد تبين لك أن صورته صورة الحق التي أوجده عليها فما رأى إلا الحق ولكن بشهوة حب والتذاذ وصلة يفنى فيها فناء حق بحب صدق وقابلها بذاته مقابلة المثلية ولذلك فنى فيها فما من جزء فيه إلا وهو فيها والمحبة قد سرت في جميع أجزائه فتعلق كله بها فلذلك فنى في مثله الفناء الكلي بخلاف حبه غير مثله فاتحد بمحبوبه إلى أن قال‏

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

وقال الآخر في هذا المقام أنا الله فإذا أحببت مثلك شخصا هذا الحب ردك إلى الله شهودك فيه هذا الرد فأنت ممن أحبه الله وكانت هذه الفتنة فتنة أعطتك المهداة وأما الطريقة الأخرى في حب النساء فإنهن محال الانفعال والتكوين لظهور أعيان الأمثال في كل نوع ولا شك أن الله ما أحب أعيان العالم في حال عدم العالم إلا لكون تلك الأعيان محل الانفعال فلما توجه عليها من كونه مريدا قال لها كن فكانت فظهر ملكه بها في الوجود وأعطت تلك الأعيان لله حقه في الوهته فكان إلها فعبدته تعالى بجميع الأسماء بالحال سواء علمت تلك الأسماء أو لم تعلمها فما بقي اسم لله إلا والعبد قد قام فيه بصورته وحاله وإن لم يعلم نتيجة ذلك الاسم وهو الذي‏

قال فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في دعائه بأسماء الله أو استأثرت به في علم غيبك أو علمته أحدا من خلقك‏

يعني من أسمائه أن يعرف عينه حتى يفصله من غيره علما فإن كثيرا من الأمور في الإنسان بالصورة والحال ولا يعلم بها ويعلم الله منه أن ذلك فيه فإذا أحب المرأة لما ذكرناه فقد رده حبها إلى الله تعالى فكانت نعمة الفتنة في حقه فأحبه الله برجعته إليه تعالى في حبه إياها وأما تعلقه بامرأة خاصة في ذلك دون غيرها وإن كانت هذه الحقائق التي ذكرناها سارية في كل امرأة فذلك لمناسبة روحانية بين هذين الشخصين في أصل النشأة والمزاج الطبيعي والنظر الروحي فمنه ما يجري إلى أجل مسمى ومنه ما يجري إلى غير أجل بل أجله الموت والتعلق لا يزول كحب النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عائشة فإنه كان يحبها أكثر من حبه جميع نسائه وحبه أبا بكر أيضا وهو أبوها فهذه المناسبات الثواني هي التي تعين الأشخاص والسبب الأول هو ما ذكرناه ولذلك الحب المطلق والسماع المطلق والرؤية المطلقة التي يكون عليها بعض عباد الله ما تختص بشخص في العالم دون شخص فكل حاضر عنده له محبوب وبه مشغول ومع هذا لا بد من ميل خاص لبعض الأشخاص لمناسبة خاصة مع هذا الإطلاق لا بد من ذلك فإن نشأة العالم تعطي في آحاده هذا لا بد من تقييد والكامل من يجمع بين التقييد والإطلاق فالإطلاق مثل‏

قول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء وما خص امرأة من امرأة

ومثل التقييد

ما روى من حبه عائشة أكثر

من سائر نسائه‏

لنسبة إلهية روحانية قيدته بها دون غيرها مع كونه يحب النساء فهذا قد ذكرنا من الركن الواحد ما فيه كفاية لمن فهم‏

وأما الركن الثاني من بيت الفتن وهو الجاه المعبر عنه بالرياسة

يقول فيه الطائفة التي لا علم لها منهم آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة فالعارفون من أصحاب هذا القول ما يقولون ذلك على ما تفهمه العامة من أهل الطريق منهم وإنما ذلك على ما نبينه من مقصود الكمل من أهل الله بذلك وذلك أن في نفس الإنسان أمورا كثيرة خبأها الله فيه وهو الذي يُخْرِجُ الْخَبْ‏ءَ في السَّماواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وما تُعْلِنُونَ أي ما ظهر منكم وما خفي مما لا تعلمونه منكم فيكم فلا يزال الحق يخرج لعبده من نفسه مما أخفاه فيها ما لم يكن يعرف أن ذلك في نفسه كالشخص الذي يرى منه الطبيب من المرض ما لا يعرفه العليل من نفسه كذلك ما خبأه الله في نفوس الخلق أ لا تراه‏

يقول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من عرف نفسه عرف ربه‏

وما كل أحد يعرف نفسه مع أن نفسه عينه لا غير ذلك فلا يزال الحق يخرج للإنسان من نفسه ما خبأه فيها فيشهده فيعلم من نفسه عند ذلك ما لم يكن يعلمه قبل ذلك فقالت الطائفة الكثيرة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة فيظهر لهم إذا خرج فيحبون الرئاسة بحب غير حب العامة لها فإنهم يحبونها من كونهم على ما قال الله فيهم إنه سمعهم وبصرهم وذكر جميع قواهم وأعضاءهم فإذا كانوا بهذه المثابة فما أحبوا الرئاسة إلا بالله إذ التقدم لله على العالم فإنهم عبيده وما كان الرئيس إلا بالمرءوس وجودا وتقديرا فحبه للمرءوس أشد الحب لأنه المثبت له الرئاسة فلا أحب من الملك في ملكه لأن ملكه المثبت له كونه ملكا فهذا معنى آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة لهم فيرونه ويشهدونه ذوقا لا أنه يخرج من قلوبهم فلا يحبون الرئاسة فإنهم إن لم يحبوها فما حصل لهم العلم بها ذوقا وهي الصورة التي خلقهم الله عليها في‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله خلق آدم على صورته‏

في بعض تأويلات هذا الخبر ومحتملاته فاعلم ذلك والجاه إمضاء الكلمة ولا أمضى كلمة من قوله إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فأعظم الجاه من كان جاهه بالله فيرى هذا العبد مع بقاء عينه فيعلم عند ذلك أنه المثل الذي لا يماثل فإنه عبد رب والله عز وجل رب لا عبد فله الجمعية وللحق الانفراد

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!