الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


كلام في السماع لبعض إخوانن

سمعت صاحبنا أحمد بن مسعود بن شداد المقري الموصلي بمنزلي بمدينة الموصل سنة إحدى و ستمائة يقول: السماع سر من أسرار الله تعالى التي لا عمارة للقلوب إلا بها، وهي لطيفة من لطائف الغيوب التي هي قوت القلوب، فإذا مررت بسربه، فسر به، وقف مع أهله على قدم التذلل، وأمط عنك رداء التذلل، فإنك لن تدرك الأرب إلا بلزوم الأدب، ولن تبلغ المقصود إلا بحفظ العهود. ومن رام قضاء الأوطار اقتحم ركوب الأخطار. فإذ برز لك توقيع تقريبه، فلا تخل تقرى به. فهذه عناية أصلها ثابت في القدم، وفرعه نابت ظهر إلى الوجود من كمين العدم، مشيرا إليه في قوله تعالى: لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، فلما كمنت نار قوله في زناد: قالُوا بَلى ، قرعته صفى الصفا بواسطة هذه الآلات، فبرقت بارقة من تلك النغمات، فسمت الأرواح إلى تلك النسمات، وشفّ الجوهر الروحاني في العرض الإنساني. فلما تنسمت الأرواح وسمت إلى ما به، وسمت، طارت بأجنحة الطرب إلى سماء الطلب، فرتعت في رياض الأنس، وكرعت في حياض القدس. فلما انبسطت على بساط البسيطة، وتعززت بعزّ العزائم النشيطة، تثبتت أقدام أقدامها، وناحت حمام حمامها، وغرّدت بلابل بلابلها، وأنشدت بلسان حالها:

أبد تحنّ إليكم الأرواح ووصالكم ريحانها والرّاح

وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم وإلى زمان لقاكم ترتاح

وارحمتا للعاشقين تحمّلوا ثقل المحبة والهوى فضّاح

بالسر إن باحوا تباح دماؤهم وكذا دماء البائحين تباح


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!