الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


وممن وعظه الشيب فتبرّأ من العيب

م رويناه من حديثه قال: نبأ عبد الرحمن بن محمد النيسابوري، نبأ محمد بن عبد الله بن شادان الرازي، سمعت أبا عبد الله القرشي يقول: كان لي جار شاب، وكان أديبا، و كان يهوى غلاما أديبا، فنظر يوما إلى طاقات شعر بيض في عارضيه، فوقع له شيء من الحق، فهجر الغلام، وتركه. فلما نظر الغلام إلى ذلك منه كتب إليه يقول:

ما لي جفيت وكنت لا أجفى ودلائل الهجران ما تخفى

وأرك تشربني فتمزجنا ولقد عهدتك شاربي صرف

قال: فقلب الرقعة وكتب على ظهرها:

أنغام مع الشمط سمتني خطة شطط

لا تلمني على جفا ئي فحسبي بما فرط

أنا رهن بما جني‍ ت فذرني من الغلط

قد رأينا أبا الخلا ئق في زلة هبط

ومن باب النسيب ما قيل في معاتبة الجواري:

ناديت قلبي بدمعي ثم قلت له يا من يحبّ حبيبا لا يواتيه

فردّ قلبي على طرفي بزفرته هذا البلاء الذي أوقعتني فيه

وقال الآخر:

يا قلب يا قلب يا مشوم منك بلائي فمن ألوم

تعشق هذا وذا وهذا لست على واحد تدوم

ولبعضهم في هذا الباب:

أغار طرفي على قلبي وأحشائي بنظرة وقفت مني على دائي

وكنت غرّا بما تجني عليّ يدي لا علم لي أن بعضي بعض أعدائي

ولبعضهم في هذا الباب:

أفيضي و انزفي العبرات عيني فأنت فتنتني وجلبت حيني

وألهبت الفؤاد لهيب جمر بحرقته يذوب الأسودين

فذوقي من فعالك مثل ما قد أذقت القلب من صدّ وبين

جناية ناظر بالقلب تربى على فعل الخوارج بالحسين

ومن هذا الباب:

يا جفون سواهرا أعدمتها لذة النوم والرقاد جفون

إن لله في العباد منايا سلّطتها على العيون العيون

ومنه أيضا:

نظر العيون إلى العيون هو الذي جعل العيون على القلوب وبالا

ونهيت نومي عن جفوني فانتهى وأمرت ليلي أن يطول فطال

ومن هذا الباب:

أمر الهوى ليل الشجيّ فطالا ونهى الهوى عنه الملام فزالا

والذي ذهبنا إليه أدخل في النسيب من الأول، فإن الأول في حكم نفسه فإنه الآمر و الناهي. والذي ذهبنا إليه بحكم الهوى، لأن المحبّ لا حكم له مع سلطان الهوى، فإنه الأقوى.

وللعباس بن الأحنف فيه:

خليليّ ما للعاشقين قلوب وما للعيون الناظرات ذنوب

ويا معشر العشاق ما أصعب الهوى إذا كان لا يلقى المحبّ حبيب

و من باب الإفراط في الحب قول قيس المجنون:

إن البلاد وما فيها من الشجر لو بالهوى عطشت لم ترو بالمطر

لو ذاقت الحبّ أرض الله لاشتغلت أشجارها بالهوى فيها عن الثمر

ليس الحديد ولا صمّ الحجار إذا فكّرت أقوى على البلوى من البشر


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!