الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر هبل الصنم الذي كان بالكعبة

روينا من حديث هشام، وابن إسحاق، أن عمرو بن لحيّ خرج من مكة إلى الشام في بعض أمور، فلم قدم مآب من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق، رآهم يعبدون الأصنام. فقال لهم: م هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا: هذه أصنام نعبدها، فنستمطرها فتمطرنا، و نستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض المغرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له هبل-بفتح الهاء-فقدم به مكة ه‍. حديث ابن هشام: قال ابن إسحاق: فقدم بصنم يقال له هبل-بضم الهاء-من هيت من أرض الجزيرة لم يكن من أهل البلقاء، وهو أصح. وكان هبل من أعظم أصنام قريش عندها.

فنصبه على البئر التي كانت في بطن الكعبة، وأمر الناس بعبادته. وكانت هذه البئر في جوف الكعبة على يمين من دخلها، عمقها ثلاثة أذرع، حفرها إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام، ليكون فيها ما يهدى إلى الكعبة، وكانت تسمى الأخسف. وكان عند أهل هبل في الكعبة سبعة قداح، كل قدح منها فيه كتاب: قدح فيه العقل إذا اختلفوا في العقل، من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة عليهم، فعلى من خرج حمله. وقدح فيه نعم، الأمر الذي أرادوه يضرب به في القداح، فإن خرج قدح فيه نعم عملوا. وقدح فيه لا، فإذ أرادوا الأمر ضربوا به في القداح، فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر. وقدح فيه منكم، وقدح فيه ملصق، وقدح فيه من غيركم، وقدح فيه المياه. فإذا أرادوا أن يحفروا المياه ضربوا بالقداح، وفيها ذلك القدح، فحيث ما خرجوا به عملوا به. و كانوا إذا أرادوا أن

يختنو غلاما، وينكحوا جارية، ويدفنوا ميتا، أو شكّوا في نسب أحد منهم، ذهبوا به إلى هبل، ومائة درهم جزر، فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثم قالوا: يا إلهنا هذا فلان أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق فيه.

ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب، فإن خرج منكم كان منهم وسطا، وإن خرج عليه من غيركم كان حليفا، وإن خرج عليه ملصق كان ملصقا على منزلته فيهم لا بسبب له ولا خلف. و إن خرج عليه شيء مما سوى هذا مما يعملون به نعم عملوا به، وإن خرج لا أخّروه عامه ذلك حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون في أمرهم ذلك إلى ما خرجت به القداح.

قال ابن إسحاق: وكان هبل من خرز العقيق على صورة إنسان، وكانت يده اليمنى مكسورة، فأدركته قريش فجعلت له يدا من ذهب. وكانت له خزانة للقربات، وكانت له سبعة قداح يضرب بها على الميت والعذرة والنكاح. وكان قربانه مائة بعير. وكان له حاجب، و كانوا إذا جاءوا هبل بالقربان ضربوا بالقداح وقالوا:

إن اختلفنا فهب السّراحا ثلاثة يا هبل فصاحت

الميت والعذرة والنكاحا والمبرئ المريض والصحاح

إن لم تقله فمن القداحا

روينا من حديث أحمد بن مروان، عن محمد بن عبد العزيز الدينوري، عن أحمد بن أبي الحواريّ، عن أبي سليمان الداراني، قال: قلت لراهب: يا راهب، أي يوم أسرّ إليك؟ قال: يوم لا أعصي الله عز وجل فيه.

روينا من حديث ابن أبي الدنيا، عن محمد بن عمرو المالكي، عن سفيان بن عيينة، عن إدريس بن يزيد، عن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من خلصت نيته ولو علة نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس.

وروين من حديثه أيضا عن يحيى بن يوسف، عن أبي معاوية، عن عبد الرحمن بن زيد، قال: كان أبي يقول: يا بنيّ، أنوفي كل شيء تريد الخير، حتى خروجك إلى الكناسة في حاجة.

وروين من حديث الدينوري في كفارة الغيبة، قال: نبأ أبو جعفر حمدان بن علي، نبأ محمد بن علي الخزاعي، نبأ عنبسة بن عبد الرحمن القرشيّ، عن خالد بن يزيد المدني، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته» .

وروين من حديثه أيضا في أحب العباد إلى الله تعالى، قال: حدثنا محمد بن غالب،

حدثني إسحاق بن كعب مولى ابن هشام، نبأ عبد الحميد بن سليمان الأزرق، عن سكين بن أبي سراج، عن عبد الله بن دينار، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيّ العباد أحبهم إلى الله عز وجل؟ قال: «أنصفهم للناس، وإن من أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تسدّ عنه جوعة. ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليّ من اعتكاف شهرين في المسجد. ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه لأمضاه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا، ومن مشى مع أخ له في حاجة حتى يثبتها ثبّت الله قدمه يوم تزلّ الأقدام» .

وروين من حديثه أيضا، قال: نبأ أحمد بن محمد البراء، نبأ عبد المنعم، عن أبيه، عن وهب بن منبّه، قال: لما ضربت الدراهم والدنانير، حملها إبليس وقال: سلاحي، وقرّة عيني، و ثمرة قلبي بكما أطغي، وبكما أكفّر بني آدم، وبكما تستوجب النار بنو آدم حسبي.

قال وهب: فالويل ثم الويل لمن آثرهما على طاعة الله عز وجل.

حدثن عبد الرحمن بن علي، نبأ أبو المعتز الأنصاري، أن جعفر بن أحمد، نبأ أبو محمد الخلال، نبأ أحمد بن محمد بن القاسم الرازي، نبأ أحمد بن محمد الجوهري، نب إبراهيم بن سهل المدائني حدثني سيف بن جابر القاضي، عن وكيع، قال: قال لي أبو حنيفة النعمان بن ثابت: أخطأت في خمسة أبواب من المناسك، فعلّمنيها حجّام، وذلك أني حين أردت أن أحلق رأسي وقفت على حجّام، فقلت: بكم تحلق رأسي؟ فقال:

عراقيّ أنت؟ قلت: نعم. قال: النسك لا تشارط عليه، اجلس. فجلست منحرفا عن القبلة. فقال لي: حوّل وجهك إلى القبلة، فحوّلته، وأردت أن أحلق رأسي من الجانب الأيسر، فقال: أدر الشقّ الأيمن من رأسك، فأدرته، فجعل يحلق وأنا ساكت، فقال لي:

كبّر، فجعلت أكبّر حتى قمت لأذهب، فقال لي: أين تريد؟ قلت: رحلي، قال لي: صلّ ركعتين ثم امض. قلت: ما ينبغي أن يكون ما رأيت من عقل هذا الحجام إلا ومعه علم، فقلت له: من أين لك ما أمرتني به؟ فقال: رأيت عطاء بن رباح يفعل هذا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!