---

لسان كريم

روينا من حديث المالكي، عن عبد الله بن عمرو الوراق، نبأ أبي، عن يحيى بن خليفة المجاشعيّ، نبأ إدريس، عن مروان بن أبي حفصة يعني عن أبيه، قال: أنشدت معن بن زائدة أربعة أبيات فأعطاني أربعة آلاف دينار، فبلّغت أبا جعفر فقال: ويلي على الأعرابي الجلف. فاعتذر إليه وقال له: يا أمير المؤمنين، إنما أعطيته على جودك، فسوّغه إياها. فلما مات معن بن زائدة رثاه مروان فقال:

ألمّ على معن وقولا لغيره سقيت الغوادي مربعا ثم مربعا

فيا قبر معن كنت أول حفرة من الأرض خطت للمكارم مضجع

ويا قبر معن كيف واريت جوده وقد كان منه البحر والبرّ ممرع

ولكن ضممت الجود والجود ميت ولو كان حيا ضقت حتى تصدع

ولما مضى معن مضى الجود والندى وأصبح عرنين المكارم أجدع

وما كان إلا الجود صورة خلقه فعاش زمانا ثم مات وودّع

فتى عيش من معروفه قبل موته كما كان قبل السيل مجراه مرتع

تعزّ أبا العباس عنه ولا تكن ثوابك من معن بأن يتضعضع

تمنّى رجال شأوه من ضلالهم فأضحوا على الأذقان صرعى وطلع

وحدثني المهدي عبد الكريم بن يوسف بالموصل، عن الحسن بن عمار قال: قدم علينا نور الهدى الواعظ الإسكندراني الموصلي، وكان بينه وبين أخي صحبة جميلة، وكان أخي قد توفي فسألني أن أزور معه قبره، فزرنا قبره، وترحّمنا عليه ساعة، وذكر ما كان بينهما من جميل العشرة، وخلوص الولاء، وإيثار الصحبة. ثم عدنا إلى المنزل فقال:

فرأيت أخي في النوم، فذكرت له ما كان من نور الهدى ومني في زيارة قبره، من ذكر ليال سلفت بينهما في الله ولله. فقال الميت: رأيته عند ما زارني، وأنست بجميل طلعته، وتذكار عهده، وسررت بترحّمه ودعائه، واستقللت زمان وقوفه، فما اشتفيت من سماع لفظه الشهي، وبديع منطقه البهي.

وقد قلت في ذلك شعرا. قال ابن عمار: فأنشدني:

أهل بزائرنا الذي أهدى تحيته إلينا

فشفت أوام الاشتياق وجدّدت روحا علين

لما التقت أرواحنا عجل الفراق وما اشتفين

قال: فاستيقظت وقد حفظتها من قبله فذكرتها لنور الهدى، فأوردها على المنبر في مجلسه. فلم أر أحسن من مجلس ذلك اليوم، ولا أكثر باكيا منه.

وقال مهيار الديلمي في الاشتياق:

لا فتى يسأل قلبي ما له ينزو إذا برق الحمى بدا له

فهبّ يرجو خبرا من الغضا يسنده عنه فما روى له

أراد نجدا معه ببابل إرادة هاجت له بلباله

وابتسم الريح الصبا ومن له بنفحة من الصبا طوبى له

ويوم ذي البان وما أشار من ذي البان إلا أن أقول ما له