الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المعرفة أشرف من صفة

قال أبو عبد الله البراثي: بالمعرفة هانت على العالمين العبادة، والرضى عن الله عز وجل في تدبيره. زهدوا في الدنيا، ورضوا منها لأنفسهم بتقديره.

رويناه من حديث ابن مروان، عن إسحاق بن إبراهيم، عن حكيم بن جعفر، عن البراثي. ومن حديثه أيضا، عن محمد بن عيسى البغدادي قال: ما لك من عمرك إلا ما أطعت الله عز وجل فيه، فأما ما عصيت الله فيه فلا تعدّه عمرا.

ومن الشعر الذي هو برسول الله صلى الله عليه وسلم أولى إذ ذاك النعت له حقيقة، قول أبي نواس:

أوجده الله فما مثله لطالب ذاك ولا ناشد

وما على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد

ومن باب مطارحة العشاق:

دعوني و نعمان الأراك أروده يجاوب صوتي طيره المتناوحا

عسى سارح من دار ميّة آمن يقيّض لي عن شائم طار بارح

ومن باب حنين الإبل وسيرها:

يقوده الحادي إلى مراده وهمها أحرى إليها لم تقد

وإنما يتمّها بحاجر أيامها بحاجر لم تسترد

لو كان لي على الزمان إمرة مطاعة قلت أعدها لي أعد

فكم على وادي الغضا من كبد يحكم فيها بسوي العدل والكبد

ومنه:

متى رفعت لها بالغور نار وقرّ بذي الأراك لها قرار

فكل دم أراق العين منها بحكم الشوق مطلول جبار

ومنه:

أثره على حبّ الوفاء وحسنه تصعّب في أسطانها وتلين

جوافل من طرد الرماح قريبة عليها فجاج الأرض وهي شطون

لها وهي خرسى تحت عفر رحالها تشكّ إذا شدّ الثرى وأنين

حدثنا يونس بن يحيى بن منصور، انا هبة الله بن أحمد الموصلي، انا عبد الملك بن أحمد بن بشران، نبأ أبو سهل أحمد بن محمد القطّان، انا محمد بن يونس الشامي، ان محمد بن عبيد الله العتبي قال: حدثني أبي، عن المسيب بن شريك، عن عبد الوهاب بن عبيد الله بن أبي بكرة قال: وقف أعرابي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال:

يا عمر الخير جزيت الجنة اكس بنيّاتي وأمّهنّه

أقسم بالله لتفعلنه

قال عمر رضي الله عنه: فإن لم أفعل يكون ما ذا؟ قال:

تكون عن حالي لتسألنه يوم تكون الأعطيات ثمّه

والوقف المسئول بينهنه إما إلى نار وإما جنّه

فبكى عمر رضي الله عنه حتى اخضلت لحيته، وقال لغلامه: يا غلام، أعطه قميصي هذ لذلك اليوم لا لشعره. قال: أما والله لا أملك غيره. فكان عمر يدني يده من النار، ثم يقول: يا ابن الخطاب، هل لك على هذا صبر؟ وبكى حتى كان بوجهه خطان أسودان من البكاء. وكان يقول: ألا من يأخذها بما فيها، يعني الخلافة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئا، ليتني كنت نسيا منسيا.

وروين من حديث ابن أبي الوليد، عن أبي الحسن، عن ابن جعدويه، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن سعيد بن المسيب قال: حج عمر رضي الله عنه، فلما كان بصحبات قال: لا إله إلا الله العظيم المعطي ما شاء لمن يشاء. كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف، و كان فظا يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصّرت، وقد أمسيت ليس بيني وبين الله أحد. ثم تمثل:

لا شيء فيما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويودي المال والولد

لم تغن عن هرم يوما خزائنه والخلد قد حاولت عاد فم خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرياح له والأنس والجن فيما بينها ترد

أين الملوك التي كانت نوافلها من كل أوب إليها راكب يفد

حوض هنالك مورود بلا كذب لا بد من ورده يوما كما وردوا

هذا كان لباسه وهو يرعى الغنم. وخطب الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثني عشرة رقعة رضي الله عنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!