الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن باب من طرد فلزم حتى قبل

أخبرني شيخ بالتنعيم ونحن محرمين نلبّي فقال: جاور هنا شيخ سبعين سنة ما منها حجة يحجه أو عمرة يعتمرها إلا يقال له عند ما يقول لبّيك: لا لبيك، ولا سعديك، فأحرم معه يوما شاب، فقال الشيخ: لبيك اللهمّ لبيك، فسمع الشاب قائلا يقول له: لا لبيك، فقال له: يا عم، قد قيل لك لا لبيك، فبكى الشيخ، فقال له: يا ولدي أسمعته؟ قال الشاب: نعم، فقال له الشيخ: إن لي أسمعه سبعين سنة، قال له الشاب: ففيم تتعب؟ قال: ي بني، فإلى باب من ألزم؟ وإلى من أرجع؟ إنما لي اللزوم والجهد، وله سبحانه القبول إن شاء، أو الردّ. يا بني، لا ينبغي أن يطرده هذا عن باب مولاه، ولا يحول بينه وبين خدمته.

وبكى الشيخ حتى جرت دموعه على صدره، ثم رفع صوته بالتلبية، فسمع الشاب ذلك القائل يقول له: قد قبلنا إجابتك، وهكذا فعلنا بكل من حسّن الظن بنا، مع الاجتهاد في خدمتنا، و لزوم طاعتنا، وإيثار ذكرنا على ذكر غيرنا، لا من يتبع هواه، ويتمنى علين الأماني. فقال الشاب: أما سمعت ما ردّ عليك؟ قال: سمعت، وعلا نحيبه، واشتدّ بكاؤه.

أخبرني عبد الرحمن، عن عبد الله بن حبيب، عن عبد الغفار بن محمد، عن ابن أبي الصادق، عن ابن باكويه، عن الحسن بن أحمد، عن محمد بن داود، عن أبي عبد الله الجلاّء قال: كنت بذي الحليفة وشابّ يريد أن يحرم، فكان يقول: يا رب، أريد أن أقول لبّيك اللهم لبّيك، فأخشى أن تجيبني بلا لبّيك ولا سعديك، يردّد ذلك مرارا. ثم قال:

لبيك اللهم، مدّ بها صوته، وخرجت روحه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!