الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن وقائع بعض الفقراء

ما حدثن به عبد الله ابن الأستاذ المروزي رحمه الله قال: رأى بعض الفقراء ببجاية في الواقعة أبا حامد وجماعة من الصوفية يقولون للشيخ أبي مدين: أخبرنا عن شيء مم خصك به الحق من العلم، فقال لهم: بالعلم الباقي أضاء سري، وحسنت أخلاقي، فعلم الله صفة ذاته، فكل ما عرف منه سبحانه معروف، والصفة لا تفارق الموصوف، فما ثبت في الوجود منه فبإمداده، وما فهموا عنه فبإرشاده، فكل علم سواه بالإضافة إليه مذموم، وإنما يشرف العلم بشرف المعلوم، فانظر ما علمك وما ذا؟ فمن هناك تجازى و تنادى، فخير العلم ما وصلك إلى المعلوم، وعند مشاهدة الحق تضمحل الرسوم، ويتجلى إذ ذاك الحي القيوم، فمن رقى عن المحسوسات نال الغيوب، ومن قهقر عندها فهو محجوب، فالعارف أبدا يرقى، ودقائق الإشارات واللطائف يتلقّى، ليس له التفات إلى ذيت و ذيت، ولا يقنع من البيت إلا برب البيت، فهو أبدا في التنزيه والمشاهدة، يرفع عن الأغيار والمكايدة، ملاحظ ذلك الجمال الأبدي، متلذذ بمشاهدة الملك العليّ.

ثم قال الشيخ: مقامي مقام العبودية، وعلومي العلوم الإلهية، وصفاتي مستمدة من الصفات الربانية، بها عمر فكري، وهي غذاء لسرّي وجهري، فعلمي بالله متصل، وعن كل من سواه منفصل، اتصاله بحضرة قدسه، ومسرحه في رياض أنسه، فبالعلم بالله وذاته و صفاته نلت الجاه، ومعلومي هو الله، عظمته ملأت حقيقتي وسرّي، ونوره أضاء به برّي وبحري، فمن أحياه فهو الحيّ، ومن أماته عنه في ظلمة الغيّ إذ المقرب به عظيم، ولا يسمو إلا من أتى الله بقلب سليم، فالقلب السليم هو الذي سلم مما سواه، و لا يكون في الوعاء إلا ما جعل فيه مولاه، فقلب العارف يسرح في الملكوت بلا شكّ و لا ارتياب، وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب، فالجبال بقدرته سيّرها، وبصنعه الجميل أتقنها، فكلامه العزيز لصدور أوليائه شفا، وهو سبحانه لشدة ظهوره خفا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!