الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن محاسن المخاطبة

ما قال عمارة بن حمزة لأبي العباس وقد أمر له بجوهر نفيس: وصلك الله يا أمير المؤمنين و برّك، فو الله لو أردنا شكرك على أنعامك ليقصرنّ شكرنا على نعمتك، كما قصر الله بنا عن منزلتك.

و دخل إسحاق بن إبراهيم الموصلي على الرشيد فقال: ما لك؟ فقال:

سوامي سوام المكثرين تجمّلا ومالي كما قد تعلمين قليل

وآمرة بالبخل قلت لها اقصري فذلك شيء ما إليه سبيل

وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ورأي أمير المؤمنين جميل

أرى الناس خلاّن الجواد ولا أرى بخيلا له في العالمين خليل

فقال الرشيد: والله هذا الشعر الذي صحت معانيه، وقويت أركانه ومبانيه، ولذّ على أفواه القائلين، وأسماع السامعين. يا غلام، احمل إليه خمسين ألف درهم. قال إسحاق:

يا أمير المؤمنين، كيف أقبل صلتك وقد مدحت شعري بأكثر مما مدحتك به؟ قال الأصمعي: فعلمت أنه أصيد للدراهم مني.

ودخل المأمون ذات يوم الديوان، فنظر إلى غلام جميل على أذنه قلم فقال: من أنت؟ قال: أن الناشئ في دولتك، المتقلب في نعمتك، المؤمّل لخدمتك، الحسن بن رجاء. فقال المأمون: بالإحسان في البديهة تتفاضل العقول، يرفع عن مرتبة الديوان إلى مرتبة الخاصة، و يعطى مائة ألف درهم تقوية له.

ووصف يحيى بن خالد الفضل بن سهل وهو غلام على المجوسية للرشيد، وذكر أدبه وحسن معرفته، فعمل على ضمّه إلى المأمون، فقال ليحيى يوما: أدخل يوما عليّ هذا الغلام حتى أنظر إليه فأوصله، فلما مثل بين يديه ووقف تحيّر، وأراد الكلام فارتج عليه، فأدركته كبوة، فنظر الرشيد إلى يحيى نظرة منكرة، لما كان تقدم به في حقه، فانبعث الفضل بن سهل فقال: يا أمير المؤمنين، إن من أبين الدلالة على فراهة المملوك شدّة إفراط هيبته لسيده، فقال له الرشيد: أحسنت والله، لئن كان سكوتك لتقول هذه إنه لحسن، وإن كان شيئا أدركك عند انقطاعك لأحسن وأحسن. ثم جعل لا يسأله عن شيء إل رآه فيه مقدما، فضمّه إلى المأمون.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!