الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن هذ الباب

ما ذكره علي بن محمد النديم قال: دخلت على المتوكل وعنده الرضا، فقال: يا علي، من أشعر الناس في زماننا؟ قلت: البحتري، قال: وبعده؟ قلت: مروان بن أبي حفصة عبدك، و التفت إليّ الرضا فقال: يا ابن عمّ، من أشعر الناس؟ قال: علي بن محمد العلوي، قال: و ما تحفظ من شعره؟ قال: قوله:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة بمطّ خدود وامتداد أصابع

فلما تنازعنا القضاء قضى لنا عليهم بما تهوى نداء الصوامع

قال المتوكل: ما معنى نداء الصوامع؟ قال: الشهادة. قال: وأبيك إنه أشعر الناس.

ومن قوله:

بلغن السماء بأنسابنا ولو لا السماء لحزنا السماء

وحسبك من سؤدد أننا بحسن البلاء كشفنا البلاء

يطيب الثناء لآبائنا وذكر عليّ يطيب الثناء

إذا ذكر الناس كنا ملوكا وكانوا عبيدا وكانوا إماء

هجاني رجال ولم أهجهم أبي الله لي أن أقول الهجاء

ومن باب قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَلله أَتْقاكُمْ ما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ربه تعالى، قال: «يقول الله جلّ ذكره يوم القيامة: اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي، أين المتقون؟» .

روينا من حديث ابن عباس قال: الناس يتفاضلون في الدنيا في الشرف، والبيوت، والأمارات، و الغنى، والجمال، والهيبة، والنطق. ويتفاضلون في الآخرة بالتقوى، واليقين، و أتقاهم أحسنهم يقينا، وأزكاهم عملا، وأرفعهم درجة.

لبعضهم شعر:

يزين الفتى في الناس صحة عقله وإن كان محظورا عليه مكاسبه

وشين الفتى في الناس قلّة عقله وإن كرمت آباؤه ومناسبه

قيل لعامر بن قيس: ما تقول في الإنسان؟ قال: وما أقول فيمن إن جاع صغى، وإن شبع طغى؟ قال الحكيم: أخوان من أب واحد وأم واحدة، الواحد عاقل فساد بين الناس بعقله فكان له الشرف والسؤدد، والآخر لا عقل له فلم يرفع نسبه به رأسا له، فيقول له أخوه:

أبوك أبي و الجدّ لا شكّ واحد ولكننا عودان آس وخروع

وأحسن ما قيل مما يليق بهذا الباب:

إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي

وقول الآخر:

وم ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهله

روين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه أعرابي فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، من أكرم الناس حسبا؟ قال: «أحسنهم خلقا وأفضلهم تقوى» . فانصرف الأعرابي فقال: «ردّوه» ، فقال: «يا أعرابي، لعل أردت أكرم الناس نسبا؟» ، قال: نعم يا رسول الله، قال: «يوسف صديق الله ابن يعقوب، إسرائيل الله ابن إسحاق، ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، فأين مثل هؤلاء الآباء في جميع الدنيا؟ ما كان مثلهم ول يكون» .

وفي ذلك يقول الشاعر:

ولم أر كالأسباط أبناء واحد ولا كأبيهم والدا حين ينسب

فمن الشرف والسؤدد الحلم، وبه ساد الأحنف بن قيس.

ومنه الوفاء، وبه ساد السموأل.

ومنه الرأي، وبه ساد الحصين بن المنذر.

ومنه التحبّب إلى الناس عامة وخاصة، وبه ساد مالك بن مسمع.

ومنه الجود والكرم، وبه ساد حاتم ومعن بن زائدة.

ومنه حب المساكين، وبه ساد جعفر بن أبي طالب.

ومنه العطف على الأرامل، وبه ساد سويد بن متحوف.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!