الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


موعظة أعرابي للرشيد بمكة

ذكر أبو الفرج في كتاب «مثير الغرام الساكن» له، أن الرشيد حجّ في بعض السنين، فبينما هو يطوف بالبيت عرض له أعرابي فأنشده:

عش م بدا لك كم تراك تعيش أتظنّ سهم الحادثات يطيش

عش كيف شئت لتأتيك وقفة يوما وليس على جناحك ريش

قال: فوقف الرشيد فاستعاده الشعر، ثم بكى حتى بلّ وجهه، وأمر له بخمسين ألف درهم.

روينا من حديث الهاشميّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون أمتي في الدني على ثلاثة أطباق:

أم الطبق الأول: فلا يرغبون في جمع المال وادّخاره، ولا يسعون في اقتنائه و احتكاره، إنما رضاهم من الدنيا ما سدّ جوعة وستر عورة، وغناهم فيها ما بلّغ الآخرة، فأولئك الذين ل خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ول هُمْ يَحْزَنُونَ .

وأم الطبق الثاني: يحبّون جمع المال من أطيب سبيله وصرفه في أحسن وجوهه، يصلون به أرحامهم، ويبرّون به إخوانهم، ويواسون به فقراءهم، ولعضّ أحدهم على الرصف أسهل عليه من أن يكسب درهما من غير حله، وأن يضعه في غير وجهه، وأن يمنعه من حقه، و أن يكون له خازنا إلى حين موته، فأولئك الذين إن نوقشوا عذّبوا، وإن عفي عنهم سلموا.

وأم الطبق الثالث: فيحبون جمع المال مما حل وحرم، ومنعه مما افترض أو وجب، إن أنفقوه أنفقوه إسرافا وبدارا، وإن أمسكوه أمسكوه بخلا واحتكارا، أولئك الذين ملكت الدنيا أزمّة قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم.

كان عليّ بن عبد الله بن العباس عند عبد الملك بن مروان، فأخذ عبد الملك يذكر أيام بني أمية، فبينما هو كذلك إذ نادى المنادي بالأذان، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله.

فقال علي رضي الله عنه:

هذي المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

فقال عبد الملك بن مروان: الحق في هذا بيّن من أن يكابر.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!