الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن سير عمر بن الخطاب رضي الله عنه

ما حدثن محمد بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن علي، عن محمد بن أبي طاهر، عن الحسن بن علي الجوهري، عن أبي عمر بن حمويه، عن أحمد بن معروف، عن الحسين بن الفهم، عن محمد بن سعد، عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن المتوكل، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار في أيام خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنزلوا المصلى، فقال عمر لعبد الرحمن: هل لك أن نحرسهم الليلة من السرّاق؟ فبات يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبي فوجه نحوه وقال لأمه: اتق الله وأحسني إلى صبيّك، ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إليها بمثل تلك المقالة، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه، فعاد إليها فعاتبه في لبنها، ثم سألها عن شأن بكائه، فقاله له: يا هذا الرجل، إني أريد أن أفطمه وهو يبكي على الثدي، فقال لها: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرا، فقال لها: فما حملك على تعجيل فطامه؟ قالت: إن عمر أمر أن لا يفرض لصبي إلا بعد الفطام، وأنا محتاجة، فأحبّ أن أفطمه حتى يفرض له، فقال لها: ويحك، أرضعيه ولا تعجليه بالفطام. ثم صلى الفجر بالناس وما يستبين للناس قراءته من غلبة البكاء عليه. فلما سلّم قال: ي بؤسا لعمركم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر مناديا فنادى: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام.

و بالإسناد إلى محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال: كان عمر يديم الصوم، وكان زمان الرمادة، فإذا أمسى أتى بالخبز قد ثرد الزيت، إلى أن نحر يوما من الأيام جزورا، فأطعمها الناس، و غرفوا له طيبها، فأتى به فإذا قدر قطعة من سنام ومن كبد، فقال: أنّى هذا؟ قالوا: يا أمير

المؤمنين من الجزور الذي نحرنا اليوم، فقال: بخ بخ، بئس الوالي أن إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراويشها، ارفع هذه الجفنة وهيّئ لنا غير هذ الطعام، فأتى بخبز وزيت، فجعل يكسره بيده ويثرد ذلك الخبز، ثم قال: ويحك ي برقيّ، ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت ربيع، فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام، و أحسبهم مقفرين، وضعها بين أيديهم.

وروين من حديث أنس بن مالك قال: بينما عمر يعسّ المدينة إذ رأى بيتا من شعر لم يكن بالأمس، فدنا منه، فسمع أنين امرأة، ورأى رجلا قاعدا، فدنا منه فقال: من الرجل؟ قال: رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله. قال: فما هذ الأنين؟ قال: امرأة تمخض، قال: هل عندها أحد؟ قال: لا، فانطلق إلى منزله فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ قالت: وما هو؟ قال: امرأة تمخض ليس عندها أحد، قالت: إن شئت، قال: خذي م يصلح للمرأة من الخرق والدهن، وجيئيني ببرمة وشحم وحبوب، فجاءت به، فحمل البرمة، ومشت خلفه حتى انتهى إلى البيت، فقال: ادخلي إلى المرأة، وجاء حتى قعد إلى الرجل فقال له:

أوقد لي نارا، ففعل وأوقد تحت البرمة حتى أنضجها، وولدت المرأة، فقالت له امرأته: ي أمير المؤمنين، بشّر صاحبك بغلام. فلما سمع الرجل يا أمير المؤمنين كأنه هابه، فجعل يتنحّى عنه، فقال له: مكانك كما كنت. فحمل عمر البرمة حتى وضعها على الباب، ثم قال: أشبعيها، ففعلت، ثم أخرجت البرمة فوضعتها على الباب، فقام عمر فأخذه فوضعها بين يدي الرجل، فقال: كل، ويحك فإنك قد سهرت من الليل، ففعل، ثم قال لامرأته: اخرجي، وقال للرجل: إذا كان غدا فائتنا نأمر لك بما يصلح، فأتاه، فأجازه و أعطاه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!