الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


تاريخ فتح عمورية

فتحه المعتصم في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وكان المعتصم شجاعا مقداما، و كان يقال له المثمن، فإنه كان له إلى الثمانية أحد عشر وجها:

الأول: أنه ثامن ولد العباس.

الثاني: أنه ثامن خلفاء بني العباس.

الثالث: أنه ولّي سنة ثمانية عشرة ومائتين.

الرابع و الخامس: أنه كانت خلافته ثمان سنين وثمانية أشهر.

السادس: أنه توفي وله ثمان وأربعون سنة.

السابع: أنه ولد ثامن شهر من السنة وهو شعبان.

الثامن: أنه خلّف ثمانية ذكور.

التاسع: أنه خلّف ثمان بنات.

العاشر: أنه غزا ثمان غزوات.

الحادي عشر: أنه خلّف ثمانمائة ألف دينار، ومثلهما دراهم، فيكون له على هذا اثنا عشر وجها إلى الثمانية.

فأما سبب فتحه لعمورية فهو ما ذكره أهل التواريخ أن رجلا وقف على المعتصم

فقال: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية وجارية من أحسن النساء أسيرة، قد لطمها علج في وجهها. فنادت: وا معتصماه، فقال العلج: وما يقدر عليه المعتصم؟ يجيء على أبلق ينصرك؟ وزاد في ضربها. فقال المعتصم: وفي أية جهة عمورية؟ فقال له الرجل، وأشار إلى جهتها: هكذا، فردّ المعتصم وجهه إليها وقال: لبّيك أيتها الجارية، لبيك هذ المعتصم بالله أجابك. ثم تجهّز إليها في اثني عشر ألف فرس أبلق.

وفي هذه التلبية يقول له في قصيدته حبيب مفرد:

لبّيت صوتا رطيبا قد هرقت له كأس الكرى ورضاب الخرد العرب

فلما حصرها وطال مقامه عليها، جمع المنجّمين فقالوا له: إنّا نرى أنك ما تفتحه إلا في زمان نضج العنب والتين، فبعد عليه ذلك، واغتمّ لذلك. فخرج ليلة مع بعض حشمه متحشما في العسكر يسمع ما يقول الناس، فمرّ بخيمة حدّاد يضرب نعال الخيل و بين يديه غلامه أقرع قبيح الصورة، وهو يضرب على السندان ويقول: في رأس المعتصم، فقال له معلمه: اتركنا من هذا، ما لك والمعتصم؟ فقال: ما عنده تدبير، له كذا و كذا يوم على هذه المدينة مع قوّته ولا يفتحها، لو أعطاني الأمر ما بات غدا إل فيها.

فتعجب المعتصم مما سمع، وترك بعض رجاله موكلا به، وانصرف إلى خبائه. فلما أصبح جاءوه به فقال: ما حملك يا هذا على ما بلغني عنك؟ فقال الرجل: الذي بلغك حق، ولّني م وراء خبائك، وقد فتح الله فيها، فقال: قد ولّيتك، وخلع عليه، وقدّمه على الحرب، فجمع الرماة، واختار منهم أهل الإصابة، وجاء إلى بدن من أبدان الصور، و في البدن من أوله إلى آخره خط أسود، عرضه ثلاثة أشبار أو أكثر، فحمى السهام بالنار، فقال للرماة:

من أخط منكم ذلك الخط الأسود ضربت عنقه، وإذا بذلك الخط خشب ساج، فعند ما حصلت فيه السهام المحمية قام النار فيه واحترق، فنزل البدن كما هو، وتحمى الرجال، ودخل البلد بالسيف، وذلك قبل الزمان الذي ذكره المنجّمون.

وفي ذلك يقول حبيب في قصيدته:

السيف أصدق أنباء من الكتب في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهنّ جلاء الشكّ والريب

والعلم في شهب الأرواح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب

وخوّفوا الناس من دهياء داهية إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب

تخرّصا وأحاديثا ملفقة ليست بنبع إذا عدّت ولا عزب

ثم مشى في القصيدة إلى ذكر يعرض بتاريخ المنجمين في التين والعنب، فقال:

تسعون ألفا كآساد الشّرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب

ولم تفتح من الوقت الذي أثبت فذكر ذلك في قصيدته، وذكر منعتها وقوّتها فقال:

من عهد إسكندر أو قبل ذاك فقد شابت نواصي الليالي وهي لم تشب

بكر فما انتزعتها كفّ حادثة ولا ترقّت إليها همّة النوّاب

فلما دخلها ومعه الرجل الذي بلّغه حديث الجارية قال له: سر بي إلى الموضع الذي رأيتها فيه، فسار به، وأخرجها من موضعها، وقال لها: يا جارية هل أجابك المعتصم؟ و ملّكها العلج الذي لطمها، والسيد الذي كان يملكها، وجميع ماله.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!