الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


رؤي الموبذان وارتجاج الإيوان وما قال في ذلك سطيح والكهّان

روينا من حديث أحمد بن عبد الله، عن عبد الله بن محمد بن جعفر، عن عبد الرحمن بن الحسن، عن علي بن حرب، عن أبي أيوب يعلى بن عمران البجلي، عن مخزوم بن هانئ المخزومي، عن أبيه، وأتت له خمسون ومائة سنة، قال: لما كان ليلة ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربعة عشر شرافة، وخمدت نار فارس، و لم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوى، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها.

فلم أصبح كسرى أفزعه ما رأى، فتصبّر عليه تشجّعا، ثم رأى أن لا يكتم ذلك عن وزرائه و مرازبته، فلبس تاجه، وقعد على سريره، وأرسل إلى الموبذان، فقال: يا موبذان، إنه سقط من إيواني أربعة عشر شرافة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام. فقال: وأنا أيها الملك قد رأيت إبلا صعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة، و انتشرت في بلاد فارس. قال: فما ترى في ذلك يا موبذان؟ قال: وكان رأسهم في العلم، فقال: حدث يكون من قبل العرب. فكتب حينئذ كسرى:

من كسرى ملك الملوك إلى النعمان أحمد بن المنذر، ابعث إليّ رجلا من العرب يخبرني بما أسأله عنه. فبعث إليه عبد المسيح بن حيان بن نفيلة، فقال: يا عبد المسيح، هل عندك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: يسألني الملك، فإن كان عندي منه علم

أعلمته أو لا أعلمته بمن علمه عنده. فأخبره به الملك، فقال: علمه عند خال لي يسكن مشارق الشام يقال له سطيح. قال: فاذهب إليه واسأله، وأخبرني بم يخبرك به. فخرج عبد المسيح حتى قدم على سطيح وهو مشرف على الموت، فسلّم عليه و حيّاه بتحية الملك، فلم يجبه سطيح، فأقبل يقول:

أصمّ أم يسمع غطريف اليمن أم فارق أزليم به شاو العنن

يا فاصل الخطّة أعيت من ومن وكاشف الكربة في الوجه الغضن

أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن

تحمله وجناء تهوي من وجن حتى أتى غار الجآجي والفطن

أصكّ مهما الناب صرار الأذن

فرفع سطيح رأسه إليه، فقال: عبد المسيح يهوي إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك ساسان لاتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان: رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلاد فارس. يا عبد المسيح، إذا ظهرت التلاوة، وغارت بحيرة ساوة، وخرج صاحب الهراوة، وفاض وادي سماوة، فليس الشام لسطيح بشام، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرافات، وكل ما هو آت آت، ثم مات.

فقام عبد المسيح وهو يقول:

شمّر فإنك ماضي الهمّ شمير لا يفزعنك تشديد وتعزير

فربما ربما أضحوا بمنزلة يهاب صولهم الأسد المهاصير

منهم أخو الصرح بهرام وإخوته والهرمزان وسابور وشابور

والناس أولاد علاّت فمن علموا أن قد أقلّ فمهجور ومحقور

وهم بنو آدم لما رأوا نسبا فذاك بالغيب محفوظ ومنصور

والخير والشرّ مجموعان في قرن فالخير متّبع والشرّ محذور

قال: فرجع عبد المسيح إلى كسرى، فأخبره، فقال: إلى أن يملك منّا أربعة عشر تكون أمور وأمور. قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون بعد أولاد علاتهم، الأولاد لأب واحد، وأمهم شتى. أشد هصور، وهصير، وهصار: وهو الذي يكسر أزلام القوم أزليما، أي ولّوا سراعا. وشاو: أسبق. والعنن: مصدر عنّ يعنّ عنّا، أي اعترض، ويكون أزلم مقصورا من إزلام، والجآجئ: جمع جؤجؤ، وهو صدر الطير و السفينة. والموبذان: قاضي المجوس، ويجمع موابذة. والشرفة: جمعها شرف،

والشرفة في غير هذا الموضع خيار المال. ورجست السماء و ارتجست: إذا رعدت وتمخّضت.

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!