الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر شق و سطيح مع ملك اليمن

قال ابن إسحاق: كان ربيعة بن نصر ملك اليمن فرأى رؤيا هالته وفظع بها، فلم يدع كاهنا ول ساحرا ولا عائقا ولا منجّما إلا جمعه إليه، فقال لهم: إني رأيت رؤيا هالتني و فظعت بها، فأخبروني بها وبتعبيرها، قالوا له: اقصصها علينا نخبرك بتأويلها، فقال: إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، لأنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها، فقال له رجل: إن أردت علم ذلك فابعث إلى شق وسطيح، فبعث إليهما، فقدم عليه سطيح وهو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان، فقال له الملك: إني رأيت رؤيا فأخبرني بها وبتأويلها، قال: افعل، رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة. فقال له الملك: ما أخطأت منها شيئا، فما عندك من تأويلها؟ قال: أحلف بما بين الحرّتين من حنش، لتزلن أرضكم الحبش، فلتملكنّ ما بين أبين وجرش. فقال الملك: يا سطيح، إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني أم بعده؟ قال: لا بل بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين، قال: أفيدوم ذلك في ملكهم أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع لبضع وسبعين تمضين من السنين، ثم يقتلون، ويخرجون منها هاربين. قال: ومن يلي ذلك من قتلهم؟ قال: يليه أرم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحدا منهم باليمن. قال: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع. قال: ومن يقطعه؟ قال: نبيّ زكي يأتيه الوحي من قبل العلي. قال: وممن هذا النبي؟ قال: رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون. قال: أحق ما تخبرني؟ قال: نعم، والشفق والغسق والفلق إذا اتّسق، إن ما أنبأتك به لحق.

ثم قدم عليه بعد ذلك شق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قسز بن عبقر بن أنمار بن نزار، فقال له كقوله لسطيح، وكتمه ما قال سطيح، لينظر أيتفقان أم يختلفان؟ قال شق: نعم، رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة، فأكلت كل ذات نسمة. قال الملك ما أخطأت يا شق شيئا، يريد المعنى، فما عندك في تأويلها؟ قال شق: أحلف م الحرتين من إنسان لينزلنّ أرضكم السودان فليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكنّ م بين أبين إلى نجران. فقال الملك: إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟

أفي زماني أم بعده؟ قال: لا، بل بعدك بزمان، ثم يستنقذكم منه عظيم ذو شان، ويذيقهم أشد الهوان. قال: ومن العظيم الشأن؟ قال: غلام ليس بدنيّ ول مدن، أراد مدني بوزن مفعل فحذف الياء للسجع، يخرج عليهم من بيت ذي يزن. قال: أفيدوم سلطانه أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل، بين أهل الدين والفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل. قال: وما يوم الفصل؟ قال: يوم تجزى فيه الولات، يدعى فيه من السماء بدعوات، تسمع منها الأحياء والأموات، ويجمع فيه الناس للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات. قال: أحق ما تقول؟ قال: أي و رب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، أن ما أنبأتك لحقّ ما فيه أمض.

فوقع في نفس الملك ما قالا، فجهّز بيته وأهله إلى العراق بما يصلحهم، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ، فأسكنهم الحيرة، وإليهم ينتمي النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر، هذا الملك صاحب الرؤيا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!