الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ما جاء من الحكم في مثل هذه الواقعة

حدثن الضرير إبراهيم بن سليمان الصوفي الخابوري من دير الرمان بحلب قال:

كنت بذي نصر، فخرج رجل يحتطب لعياله، ففقد أياما حتى حزن عليه أهله، فدخل عليهم بعد ذلك ضعيفا، متغير اللون، كاسف البال، أثر الرعب والجزع عليه ظاهر، قال:

فسألناه عن شأنه، قال: بينا أنا أحتطب إذ عرضت لي حية فقتلتها، فغشي عليّ، وغبت عن نفسي، فما أفقت إلا وأنا بأرض لا أعرفها، بين قوم لا أعرفهم، فأخذني جماعة منهم فجاءو بي إلى شيخ فيهم كبير هو زعيمهم، فمثلوني بين يديه، فقال: ما شأنكم؟ فقالوا:

هذا قتل ابن عمنا، وأشاروا إليّ، فقد لنا منه، فقال الشيخ: ما تقول؟ فقلت: لا أعرف ما

يقولون، إنما أنا رجل كنت أحتطب فعرضت لي حية فقتلتها، فقالوا: ذلك ابن عمنا، فقال ذلك الزعيم: امسكوه عندكم واستوصوا به خيرا حتى أرى في أمركم وأمره، فأخذوني إليهم، وجاءوا بأطعمة لا أعرف منها سوى اللبن، فكنت أشربه لا أعدل إلى غيره مدة هذه الأيام التي غبت فيها عنكم، فبينا أنا على ذلك إذ جاءوني فأخذوني وحضروا بي عند ذلك الشيخ، فذكروا مثل مقالتهم الأولى من الدعوى، فسألني الشيخ، فذكرت له الأمر على ما جرى، فقال الشيخ للقوم: ما لكم عليه حق، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تصوّر في غير صورته فقتل، فلا عقل فيه ولا قود» ، وصاحبكم تصوّر في صورة حية. فخلّوا سبيلي، فقلت: يا شيخ، وهل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، كنت في وفد جن نصيبين حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عاش لليوم من ذلك اليوم غيري، فهؤلاء الجن قومنا، يتحاكمون إلينا في أمورهم، فأحكم بينهم. ثم قال لهم: ردّوه إلى حيث أخذتموه، فما شعرت إلا وأنا في موضعي، فأخذت عدّتي وجئت. فهذا ما كان من خبري في غيبتي.

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!