الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر الحية الطائفة بالبيت

روينا من حديث أبي الوليد، عن جده، عن سعيد بن سالم، عن سالم، عن عثمان بن ساج، عن بشر بن تميم، عن أبي الطفيل قال: كانت امرأة من الجن في الجاهلية

تسكن ذا طوى، وكان لها ابن ولم يكن ولد غيره، وكانت تحبه حبا شديدا، وكان شريفا في قومه، فتزوج وأتى زوجته، فلما كان يوم سابعه قال لأمه: يا أمّه، إني أحب أن أطوف بالكعبة سبعا نهارا، قالت له أمه: أي بنيّ، إني أخاف عليك سفهاء قريش، فقال: أرجو السلامة، فأذنت له، فولى في صورة جان، فلما أدبر جعلت تعوّذه وتقول:

أعيذه بالكعبة المستورة ودعوات ابن أبي محذورة

وما تلى محمد من سورة إني إلى حياته فقيرة

وإنني بعيشه مسرورة فمضى الجان نحو الطواف فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم أقبل منقلبا حتى إذا كان ببعض دور بني سهم عرض له شاب من بني سهم أحمر أكشف أزرق أحول أعسر فقتله فثارت بمكة غبرة حتى لم تبصر لها الجبال. قال أبو الطفيل:

وبلغن أنه إنما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجن، قال: فأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قبل الجن، فكان فيهم سبعون شيخا أصلع سوى الشباب، قال:

فنهضت بنو سهم وخلفاؤها ومواليها وعبيدها، فركبوا الجبال والشعاب بالثنية، فما تركو حية، ولا عقربا، ولا خنفساء، ولا شيئا من الهوام يدب على وجه الأرض إلا قتلوه، فأقاموا بذلك ثلاثا، فسمعوا في الليلة الثالثة على أبي قبيس هاتفا يهتف بصوت له جهوري يسمع بين الجبلين: يا معشر قريش، الله الله، فإن لكم أحلاما وعقولا، اعذرونا اعذرونا من بني سهم، فقد قتلوا منّا أضعاف ما قتلنا منهم، ادخلوا بيننا و بينهم بصلح نعطيهم ويعطونا العهد والميثاق أن لا يعود بعضنا لبعض بسوء أبدا، ففعلت ذلك قريش واستوثقوا لبعضهم من بعض، فسمّيت بنو سهم العياطلة قتلة الجن.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!