الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن أشراط الساعة

ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشراط الساعة فقال: «إذا رأيت الناس قد ضيّعوا الحق، وأماتوا الصلاة، وأكثروا القذف، و استحلّوا الكذب، وأخذوا الرشوة، وشيّدوا البنيان، وعظّموا أرباب الأموال، و استعملوا السفهاء، واستحلّوا الدماء، فصار الجاهل عندهم ظريفا، والعالم ضعيفا، و الظلم فخرا، والمساجد طرقا، وتكثر الشرط، وحليت المصاحف، وطوّلت المنارات، و خربت القلوب من الدين، وشربت الخمور، وكثر الطلاق، وموت الفجأة، وفشا الفجور، و قول البهتان، وحلفوا بغير الله، وائتمن الخائن، وخان الأمين، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، فعندها قيام الساعة» .

وروى حذيفة بن اليمان قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلقا بأستار الكعبة، وعيناه تذرفان بالدموع، فقلت: ما يبكيك لا أبكى الله لك عينا؟ قال: «يا حذيفة، ذهبت الدنيا، أو كأنك بالدنيا لم تكن» ، قلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله، فهل من علامة يستدل بها على ذلك؟ قال: «نعم يا

حذيفة، احفظ بقلبك، وانظر بعينيك، واعقد بيديك، إذا ضيّعت أمتي الصلاة، واتّبعت الشهوات، وكثرت الخيانات، وقلّت الأمانات، وشربوا القهوات، وأظلم الهوى، وغار الماء، وأغبرت الأفق، وخيفت الطريق، وتشاتم الناس وفسدوا، وفجرت الباعة، و رفضت القناعة، وساءت الظنون، وتلاشت السنون، وكثرت الأشجار، وقلّت الثمار، و غلت الأسعار، وكثرت الرياح، وتبينت الأشراط، وظهر اللواط، واستحسنوا الخلف، و ضاقت المكاسب، وقلّت المطالب، واستمروا بالهوى، وتفاكهوا بينهم بشتيمة الآباء و الأمهات، وأكل الرّبا، وفشا الزنا، وقلّ الرضا، واستعملوا السفهاء، وكثرت الخيانة، وقلّت الأمانة، وزكى كل امرئ نفسه وعمله، واشتهر كل جاهل بجهله، و زخرفت جدران الدور، ورفع بناء القصور، وصار الباطل حقا، والكذب صدقا، والصحة عجزا، واللؤم عقلا، والضلالة هدى، والبيان عمى، والصمت بلاهة، والعلم جهالة، و كثرت الآيات، وتتابعت العلامات، وتراجموا بالظنون، ودارت على الناس رحى المنون، وعميت القلوب وغلب المنكر المعروف، وذهب التواصل، وكثرت التجارات، و استحسنوا البطالات، وتهادوا أنفسهم بالشهوات، وتهاونوا بالمعضلات، وركبوا جلود النمور، وأكلوا المأثور، ولبسوا الحبور، وآثروا الدنيا على الآخرة، وذهبت الرحمة من القلوب، وعمّ الفساد، واتخذوا كتاب الله لعبا، ومال الله دولا، و استحلوا الخمر بالنبيذ، والنّجش بالزكاة، والرّبا بالبيع، والحكم بالرشا، و تكافأ الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وصارت المباهاة في المعصية، والكبر في القلوب، والجور في السلاطين، والسفاهة في سائر الناس، فعند ذلك لا يسلم إلى ذي دين دينه إلا من فرّ بدينه من شاهق إلى شاهق، ومن واد إلى واد، وذهب الإسلام حتى لا يبقى إلا اسمه، واندرس القرآن من القلوب حتى لا يبقى إلا رسمه، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيّهم، لا يعلمون بما فيه من وعد ربهم ووعيده وتحذيره وتنذيره و ناسخه ومنسوخه، فعند ذلك تكون مساجدهم عامرة، وقلوبهم خاربة من الإيمان، علماؤهم شر خلق الله على وجه الأرض، منهم بدت الفتنة وإليهم تعود، ويذهب الخير وأهله، و يبقى الشر وأهله، ويصير الناس بحيث لا يعبأ الله بشيء من أعمالهم، قد حبب إليهم الدينار والدرهم، حتى أن الغني ليحدّث نفسه بالفقر» .

ثم ذكر حديث خراب الأرض في باقي الحديث، وقد ذكرناه في هذا الكتاب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!