الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


حكم

رب قول أشدّ من صول. لكل ساقطة لاقطة. لكل داهية ناهية. لكل قاصمة عاصمة. مقتل الرجل بين فكيه يعني لسانه.

وقال المهلب: اتقوا زلة اللسان، فإني وجدت الرجل يعثر قدمه فيقوم من عثرته، ويزلّ لسانه فيكون فيه هلاكه.

وقال يونس بن عبيد: ليست خلة من خلال الخير تكون في الرجل هي أحرى أن تكون جامعة لأنواع الخير كلها من حفظ اللسان.

ومن قولهم في الكتمان: كان أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور يقول: الملوك تحتمل كل شيء من أصحابها إلا ثلاثة: إفشاء السر، والتعرض للحرم، والقدح في الملك.

وقال بعض الحكماء: سرّك من دمك، فانظر من يملكه.

وفي الحكمة القديمة: سرّك لا يطلع عليه غيرك.

وقيل لأبي مسلم: بأي شيء أدركت هذا الأمر؟ قال: ارتديت الكتمان، واتّزرت بالحزم، و حالفت الصبر، وساعدت المقادير، فأدركت طلبتي، وحزت بغيتي.

وأنشد في ذلك:

أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا

ما زلت أسعى عليهم في ديارهم والقوم في ملكهم بالشام قد رقدو

حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا من نومة لم ينمها قبلهم أحد

ومن رعى غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولّى رعيها الأسد

روينا من حديث البغوي، أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الظاهري، انا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزّار، انا أبو بكر بن محمد بن زكريا الغدافري، أنبأ إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، انا معمر، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن خالد بن خالد اليشكري، قال: خرجت زمن فتحت تستر حتى قدمت الكوفة، فدخلت المسجد، فإذ أنا بحلقة فيها رجل صدع من الرجال، حسن الثغر، يعرف فيه أنه رجل من أهل الحجاز قال: فقلت: من الرجل؟ فقال القوم: أوما تعرف؟ قلت: لا، قالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقعدت، وحدث القوم. فقال: إن الناس كانوا يجيئون فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأنكر ذلك القوم عليه،

فقال لهم: إني سأخبركم بما أنكرتم من ذلك: جاء الإسلام حين جاء، فجاء أمرا ليس كأمر الجاهلية، وكنت قد أعطيت فهما في القرآن، وكان رجال يسألون عن الخير، فكنت أسأله عن الشرّ، قلت: يا رسول الله، أيكون بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟ قال:

«نعم» ، قلت: فما العصمة يا رسول الله؟ قال: «السيف» ، قلت: وهل بعد السيف بقية؟ قال: «نعم، يكون جماعة على أقذاء وهدنة على دخن» ، قال: قلت: ثم ما ذا؟ قال: «ثم ينشأ دعاة الضلالة، فإن كان لله في الأرض خليفة جلد ظهرك، وأخذ مالك، فالزمه، وإلا قمت وأنت عاص على جذل شجرة» ، قال: قلت: ثم ما ذا؟ قال: «ثم يخرج الدجال بعد ذلك ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحبط أجره» . قال: ثم قلت: ثم م ذا؟ قال: «ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة» . قال البغوي: الصدع من الرجال مفتوحة الدال: الشاب المعتدل. ويقال:

الصدع: الربعة في خلقة رجل بين الرجلين. وقوله: فما العصمة؟ قال: «السيف» . قال قتادة: يضعه على أهل الردة كانت في زمن الصديق رضي الله عنه. وقوله: «هدنة على دخن» : صلح على بقايا من الضغن. وقوله: «على أقذاء» : يكون اجتماعهم على فساد من القلوب، شبّهه بأقذاء العين.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!