الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


دلالات التائبين

روينا من حديث ابن مروان، عن عبد الرحمن بن مرزوق، عن عبد الله بن أبي بكر السهميّ، قال: قال بعض العبّاد: علامة التوبة الخروج من الجهل، والندم على الذنب، والتجافي عن الشهوات، واعتقاد مقت نفسك المسئولة، وإخراج المظلمة، وإصلاح الكسرة والشهوة، و ترك الكذب، وقطع الغيبة، والانتهاء عن أخدان السوء، والاشتغال لما عليك، و الاستعداد بما تنقلب إليه، والبكاء على ما سلف من عمرك، وترك ما لا يعنيك، و الخوف من ساعة تأتيك فيها رسل ربك لقبض روحك، والتفجّع والحزن من ليلة تبيت في قبرك وحدك بين أطباق الثرى إلى يوم المعاد.

ومم قيل في الحنين إلى الأوطان للشريف الرضيّ:

لا يذكر الرمل إلا حنّ مغترب له بذي الرمل أوطار وأوطان

تهفو إلى البان من قلبي نوازعه وما بي البان بل من داره البان

أسدّ سمعي إذا غنّى الحمام به أن لا يهيج سرّ الوجد إعلان

وربّ دار أولّيها مجانبة ولي إلى الدار أطراب وأشجان

إذا تلفت في أطلالها ابتدرت للعين والقلب أمواه ونيران

ومن قول الشريف الرضيّ في الاشتياق:

خذي نفسي يا ريح من جانب الحمى فلاقي بها ليلا نسيم ربا نجد

فإنّ بذاك الحيّ حيّا عهدته وبالرغم مني أن يطول به عهدي

ولو لا تداوي القلب من ألم الهوى بذكر تلاقينا قضيت من الوجد

ويا صاحبيّ اليوم عوجا لتسألا ركيبا من الغورين أينقهم تحدي

عن الحيّ بالجرعاء جرعاء مالك هل ارتبعوا واخضرّ واديهم بعدي

شممت بنجد شيمة حاجريّة فأمطرتها دمعي وأفرشتها خدّي

ذكرت بهاويّا الحبيب على النوى وهيهات ذا يا بعد بينهما عندي

وإني لمجلوب لي الشوق كلما تنفس شاك، أو تألم ذو وجد

تعرّض رسل الشوق والركب جاهد فأيقظني من بين نوّامهم وحدي

فما شرب العشاق إلا بقيّتي ولا وردوا في الحبّ إلا على وردي

قال بعض العارفين: إن كانت الحاجة إلى الناس فالكسب أولى، ومن لم ير غير الله، و لم يخطر له الناس ببال، ففي أي مقام أقيم فهو ذاك وهو حال عزيز.

قال بعض الحكماء: بذل الحيلة في طلب الحلال. وقلة الحوائج إلى الناس أفضل العبادة.

رويناه من حديث ابن مروان عن عباس بن محمد بن الجمحي، عن محمد بن سلام.

ومن الأمثال في السعي على العيال ما رويناه من حديث المالكي، عن علي بن الحسن، عن أبيه، قال: قال لي البناجي: قال بعض العبّاد: إن مثل الرجل لولده ولعياله مثل الدخنة الطيبة تحترق ويلتذ بطيب رائحتها آخرون.

ومن أحوال الدنيا ما رويناه من حديث الدينوري، عن أحمد بن الحسن، عن سعيد الجرمي، قال: قال ابن السماك لجعفر بن يحيى: إن الله عز وجل ملأ الدنيا باللّذات، وحشاه بالآفات، فمزج حلالها بالموبقات، وحرامها بالتبعات.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!