الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر الضبّ الذي آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم

روينا من حديث أبي نعيم، عن سليمان بن أحمد إملاء وقراءة، عن محمد بن علي بن الوليد السلمي البصري من كتابه، عن محمد بن الأعلى الصنعاني، عن معتمر بن سليمان، عن كهمس بن الحسن، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه، إذ جاء أعرابي من بني سليم قد أصاب ضبّا، وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله ليأكله، فقال:

علي من هذه الجماعة؟ فقالوا: على هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي. فشقّ الناس، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك، ولا أبغض لك مني، ولو لا أن يسمّوني قومي عجولا، لعجلت عليك فقتلتك، فسررت بقتلك الناس جميعا. قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني أقتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر،

أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا؟» ، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال: واللات والعزّى لا آمنت بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أعرابي، ما حملك على الذي قلت، وما قلت وقلت غير الحق، ولم تكرم مجلسي؟» ، فقال: وتكلمني أيضا، استخفافا برسول الله صلى الله عليه وسلم، واللات و العزّى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضبّ، فأخرج الضب من كمّه وطرحه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن آمن بك هذا الضب آمنت بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ضبّ، تكلم بإذن الله» ، فتكلم الضب بلسان عربي مبين، يفهمه القوم جميعا:

لبيك و سعديك يا رسول رب العالمين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ضب، من تعبد؟» ، قال:

الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عذابه. قال: «فمن أنا يا ضب؟» ، قال: أنت رسول رب العالمين، وخاتم النبيين، قد أفلح من صدّقك، وقد خاب من كذّبك. فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أنك رسول الله حقا. والله لقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد أبغض إليّ منك، والله لأنت الساعة أحبّ إليّ من نفسي، ومن ولدي، وقد آمنت بك بشعري، و بشري، وداخلي، وخارجي، وسرّي، وعلانيتي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي هداك إلى هذا الدين الذي يعلو ولا يعلى عليه، لا يقبله الله إلا بصلاة، ولا يقبل الصلاة إلا بقرآن» . فعلّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاتحة والإخلاص. وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما سمعت في البسيط و لا في الرجز أحسن من هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا كلام رب العالمين، وليس بشعر، فإذا قرأت: قُلْ هُوَ اَلله أَحَدٌ فكأنما قرأت ثلث القرآن، وإذا قرأتها مرتين، فكأنما قرأت ثلثي القرآن، وإذا قرأتها ثلاث مرات، فكأنما قرأت القرآن كله» . فقال الأعرابي: نعم الإله إلهنا، يقبل اليسير، و يعطي الجزيل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأعرابي» ، فأعطوه حتى أبطروه. فقام عبد الرحمن بن عوف، فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أعطيه ناقة أقرّب بها إلى الله دون البختي وفوق العرابي، وهي عشراء تلحق ولا تلحق، أهديت إليّ يوم تبوك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد وصفت ما تعطي، فأصف لك ما يعطيك الله جزاء» .

قال: نعم. قال: «لك ناقة من درّة جوفاء، قوائمها من زبرجد أخضر، وعنقها من زبرجد أصفر، عليها هودج وعلى الهودج السندس والاستبرق، تمرّ بك إلى الصراط كالبرق الخاطف» .

فخرج الأعرابي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه ألف أعرابي على ألف دابة و ألف رمح وألف سيف، فقال لهم: أين تريدون؟ فقالوا: نقاتل هذا الذي يكذب ويزعم أنه نبي. فقال الأعرابي: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فقالوا له: صبوت. فقال:

صبوت، و حدّثهم الحديث. فقالوا بأجمعهم: نشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمدا

رسول الله. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فتلقّاهم بل رداء، فنزلوا على ركبهم يقبّلون يديه، وما ولّوا منه إلا وهم يقولون: لا إله إل الله، محمد رسول الله. فقالوا: مرنا بأمر تحبه يا رسول الله. قال: «تكونون تحت راية خالد بن الوليد» . قال: فليس أحد من العرب آمن منهم ألف رجل إلا هؤلاء من بني سليم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!