الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


عمرة أبي بكر الصدّيق في خلافته رضي الله عنه

حدثن محمد بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن علي، عن محمد بن عبد الباقي، عن أبي محمد الجوهري، عن ابن حبوة، عن أبي الحسن بن معروف، عن الحسين بن الفهم، عن محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أشياخه، قالوا: اعتمر أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه في خلافته، في رجب سنة اثنتي عشرة، فدخل مكة ضحوة، فأتى منزله وأبوه أبو قحافة جالس على باب داره، فقيل له: هذا ابنك، فنهض قائما، وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته، فنزل عنها وهي قائمة، فجعل أبو بكر يقول: يا أبت لا تقم، ثم التزمه، فقبّل أبو بكر بين عيني أبيه. فأخذ الشيخ يبكي فرحا بقدومه، وجاء ممن سمع به ممن هناك من الصحابة، مثل عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، فسلمو عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله، فجعل أبو بكر عند ما سمع ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، وأبكى القوم، وتجدد عليه الحزن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو قحافة:

يا عتيق، هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: يا أبت، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لقد طوقني الله أمرا عظيما لا قوة لي به ولا يد إلا بالله. ثم دخل فاغتسل وخرج وتبعه أصحابه فنحاهم، ولقيه الناس يعزّونه برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي حتى انتهى إلى البيت، فاضطبع واستلم، وطاف سبعا، و ركع ركعتين، ثم رجع إلى منزله. فلما كانت

صلاة الظهر، خرج فطاف بالبيت، ثم جلس قريبا من دار الندوة، فقال: هل من أحد يشتكي من ظلامة، أو يطلب حقا؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيرا. ثم صلى العصر و جلس، فردفه الناس ثم خرج راجعا إلى المدينة.

و بالإسناد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دخل في بعض حججه على نافع بن الحارث يعوده، فوجده قريب عهد بعرس وفي بيته ستر من آدم مزيّن بسيور، فأخذه عمر فشقه، و قال: لم لا تستروا بيوتكم بهذه المسوح؟ فهي أوفى وألين وأحمل للغبار.

وأذن له أبو محذورة بصوت شديد، فقال: يا أبا محذورة، أما خشيت أن تنشقّ مريطاؤك؟ قال: إني أحببت أن أسمعك صوتي. ثم مرّ عمر بأبي سفيان بن حرب، فرأى أحجارا قد بناها أبو سفيان كالدكان في وجه داره يجلس عليها بالغداة، فقال عمر: لا، أرجعنّ من وجهي هذ حتى تقلعه وترفعه. فلما رجع عمر وجده على حاله، فقال: ألم أقل لك اقلعه؟ قال: انتظرت أن يأتينا بعض أهل مهنتنا، فقال: عزمت عليك لتقلعه بيدك، وتنقله على عاتقك، فلم يراجعه وفعل ذلك. فقال عمر: الحمد لله الذي أعزّ الإسلام رجل من عديّ يأمر أبا سفيان سيد بني عبد مناف بمكة فيطيعه.

و بالإسناد قال محمد بن سعد: حدثنا يزيد بن هارون، ثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، أن عمر لما أفاض من منى أناخ بالأبطح فكوّم كومة من بطحاء فطرح عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يده إلى السماء وقال: اللهمّ كبرت سني، وضعفت قوّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. فلما قدم المدينة خطب الناس. قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن رضي الله عنه وأرضاه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!