الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


7.الأثر- المؤثّر- المؤثر فيه

في اللغة:

“ الهمزة والثاء والراء له ثلاثة أصول: تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي “ 1.

في القرآن:

لقد ورد في التنزيل العزيز لفظ “ أثر “:

 - من أصل آثر تفيد تقديم الشيء لأهميته وتفضيله كما ورد في الأصل الأول لمعنى الأثر في اللغة .” وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا “( 79 / 38 ).

 - بمعنى الاقتفاء والاقتداء :” قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى “( 20 / 84 )” إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ “( 43 / 23 )

 - كما عرّفت اللغة الأصل الثالث اي رسم الشيء الباقي .” فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها “( 30 / 50 )

عند الشيخ ابن العربي:

الأثر هو النتيجة الحاصلة من الحركة بين المؤثر والمؤثر 2 فيه اي بين الفاعل والمنفعل أو بين العلة والمعلول.

لقد أرجع الشيخ ابن العربي الأثر إلى مقولتي: الفعل والانفعال.

****

المؤثر هو العلة أو الفاعل، وفي تركيب الشيخ ابن العربي الفكري المشبع بالوحدة تتوحد المؤثرات في مؤثر واحد، وتنتظم الافعال في فاعل واحد حقيقي تصدر

عنه كل الافعال اذن: المؤثر على كل حال وبكل وجه وفي كل حضرة هو اللّه 3.

ينتج مما تقدم وحدة المؤثر التي ستظهر في وجهين:

 - الوضوح: اي يتضح بجلاء ان المؤثر هو اللّه.

 - التضمين: اي ان الظاهر يوحي بان الفعل والتأثير ممكن بين موجودين وهذا مناف لتفكير الشيخ الأكبر، فالموجود لا يؤثر مطلقا لأنه خلق وقد يؤثر بالمرتبة لا بالذات في موجود غيره، ولكن الفاعل الحقيقي في كل ذلك هو اللّه. [ فالمؤثر هو الحق، أو نسبة عدمية يفعل من خلالها الحق 4 ].

* * * *

المؤثر فيه على كل حال وبكل وجه وفي كل حضرة هو العالم اي الخلق. وكل تأثير يظهر من ممكن ينافي أصله 5 فيجب التدقيق في هذا التأثير واعادته إلى حضرته، اي إلى الحق لأنه الفاعل الحقيقي والمؤثر الواحد.

على أن اثنينية المؤثر والمؤثر فيه ليست سوى ثنوية صفات لحقيقة واحدة لا انقسام فيها، وليست بحال من الأحوال ثنوية جوهرية تفترض وجود جوهرين متمايزين: جوهر فاعل وآخر منفعل، وليس هناك ما يمنع القائل بوحدة الوجود ان يقول بثنوية الصفات في الحقيقة الوجودية الواحدة. كما قال سبينوزا بوصفي الامتداد والعقل في الجوهر الواحد الذي هو أصل جميع الموجودات 6.

يقول شيخنا الأكبر:

( 1 ) “ ان الامر ينقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه وهما عبارتان: فالمؤثر بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو اللّه. والمؤثر فيه بكل وجه وعلى كل حال وفي كل حضرة هو العالم 7. .. “ ( فصوص 1 / 183 )

“ والمؤثر واحد والتأثير مختلف بحسب القوابل “ ( بلغة الغواص ص 35 )

( 2 ) “ فعلى الحقيقة لا أثر لموجود في موجود وانما الأثر للمعدوم 8 في الموجود وفي المعدوم، لان الأثر للنسب كله وليست النسب الا أمورا عدمية يظهر ذلك بالبديهة في احكام المراتب: كمرتبة السلطنة. .. فيحكم السلطان في السوقة بما تريد رتبة السلطنة وليس للسلطنة وجود عيني. .. “ ( ف 3 / 452 ).

“ فإنه لا تأثير له [ للعالم ] من ذاته، وانما الحق سبحانه جعل لكل شيء منه مرتبة في التأثير والتأثر على حد معلوم. .. ومكن سبحانه كل ذي مرتبة من مرتبته. .. تمكينا يبقيه عليهم ما شاء ويعزلهم عنه إذا شاء، وعبر سبحانه عن

هذا التمكين بالاذن 9. .. فبيّن سبحانه انه لا تأثير للعالم دونه على سبيل الاستقلال، وانه المؤثر خلف حجاب الوسائط لا بالوسائط “

( بلغة الغواص ص ص 81 - 82 ).

“ ان الأسباب 10 كلها معدات 11 لا مؤثرات، والمؤثر انما هو الحق تعالى بقدرته عند الأسباب. “ ( مراتب التقوى ق 175 ).

- - - - -

( 1 ) انظر تفصيل ذلك في معجم مقاييس اللغة. أحمد بن فارس مادة “ اثر “.

( 2 ) فالاثر هو نتيجة للمؤثر والمؤثر فيه. إذا كان المؤثر صفة ( قدرة - علم ) يكون الأثر عين الصفة، وفي الوقت نفسه يظهر استعداد القابل.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ومن ادعى العلم ولا يؤثر فيه ما هو عالم. .. ان العلم له اثر في العالم “ ( ف 3 / 216 )

“ فان الأثر ما يظهر عن النظر [ في اللوح المحفوظ ] بل عن استعداد القابل “ ( ف 3 / 322 ) يراجع النفري: المواقف والمخاطبات طبع اربري القاهرة 1934. فهرس المصطلحات الفنية كلمة “ اثر “.

( 3 ) ان الفاعل هو اللّه وليس الذات الإلهية الخالية من النسب والصفات، بل اللّه بكل النسب والصفات والإضافات التي تغني مفهوم الألوهية. ولذلك عندم يقول الشيخ ابن العربي امر عدمي يقصد به كذلك من الحضرة الإلهية: الصفات والنسب التي هي أمور عدمية وهذا سبقه اليه الغزالي[راجع في معجم الغزالي الأب فريد جبر كلمة "اثر"

ويستقيم عندها هذا التناقض الذي يخيل للانسان من تضارب المؤثر عند الشيخ ابن العربي فحينا امر عدمي وأحيانا اللّه: فيكون اللّه من حيث الصفة التي هي امر عدمي. أو الخلق من حيث نسبة أو مرتبة أو صفة هي أمر عدمي يفعل عنده الحق حقيقة.

راجع: “ اللّه “ “ اسم الهي “ “ الصفة “.

( 4 ) يبين الشيخ ابن العربي في الفصوص ان الفاعل الحقيقي والمؤثر في كل حال وبكل وجه هو اللّه، بينما في الفتوحات يؤكد ان المؤثر هو امر عدمي أو نسبة وانه لا تأثير لموجود قط، وقد أظهرنا كيف ان الامر العدمي اي المعقول هو في الواقع علة ظاهرة يفعل من خلالها الحق حقيقة، وهذه الفكرة لا ينفرد بها الشيخ ابن العربي بل نجدها عند من تقدمه من فلاسفة ومتصوفي الاسلام وخاصة الغزالي الذي يلخص نظرية السببية عند السنة.

( 5 ) من حيث إن الممكن له الافتقار الدائم والثبوت في العدم. فهو في أصله “ لا يفعل “ ولذلك يرى الشيخ الأكبر ان صيغة الامر الذي أعطاه الحق لآدم: ل تقرب الشجرة. هو بمثابة قوله: لا تفارق أصلك في مقابل أمره لإبليس: اسجد لآدم. الذي هو بمثابة قوله: فارق أصلك.

- - - - -

راجع: “ عين ثابتة “ “ إبليس “.

- - - - -

( 6 ) أبو العلا عفيفي الفصوص ج 2 ص 262.

( 7 ) راجع شروحات أبي العلا عفيفي لهذا الفص ج 2 ص ص 262 - 267.

( 8 ) راجع “ عدم “.

( 9 ) راجع “ اذن الهي “

( 10 ) يميز الشيخ ابن العربي بين السبب والعلة، ويعطي لذلك مثلا: الداء والدواء والشفاء. فالدواء سبب والشفاء علة. اذن العلة هي مسبب السبب. يقول: “. .. فالعلة اثبات السبب والحق عين السبب. .. وهو مسبب الأسباب فخلق الداء والدواء، وما جعل الشفاء الا له خاصة. فالشفاء علة لإزالة المرض وما كل علة شفاء فكل مسبب سبب وما كل سبب مسبب “. ( ف 2 / 490 ). “

( 11 ) معدات “ تعني: الاستعداد والقابلية فهي المعدات لحصول الأثر، فان الفعل لا يظهر الا بعد استعداد المؤثر فيه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!