الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


378.  – الاستواء

في اللغة:

“ السين والواو والياء أصل يدل على استقامة واعتدال بين شيئين. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ سوى “ ).

كما أن المعاني الواردة في القرآن لكلمة الاستواء هي مفاهيم لغوية وليست اصطلاحية ( انظر الفقرة التالية ).

في القرآن:

لقد وردت كلمة استوى في القرآن بالمعاني التالية:

 - استوى - قصد بإرادته.

قال تعالى :” ثُمَّ اسْتَوى 1إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ “. [ 2 / 29 ].

قال تعالى: ” ثُمَّ اسْتَوى 2إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ “ [ 41 / 11 ].

 - استوى – استقام.

قال تعالى: ” كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى 3عَلى سُوقِهِ “ [ 48 / 29 ].

قال تعالى: ” ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى 4وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى “ [ 53 / 6 ]

 - استوى - اكتمل وقوى ،

قال تعالى: ” وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى 5آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً “ [ 28 / 14 ].

 - استوى على العرش - بالحفظ والتدبير - دلالة على كمال القدرة والإرادة.

قال تعالى :” اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى 6عَلَى الْعَرْشِ “ [ 13 / 2 ].

قال تعالى :” الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى “7 [ 20 / 5 ].

عند ابن العربي: 8

ان الاستواء فعل والفعل نسبة بين الفاعل والمفعول. اي بين المؤثر والمؤثر فيه، وهنا بين المستوى والمستوى عليه، وتتعدد الاستواءات بتعدد المستوين والمستوى عليهم 9، وتتنوع، وبالتالي لا يمكن اعتبار الاستواء كمصطلح مفرد له مضمون ثابت، ولكن سنحاول ان نعدد جملة الصفات التي يجمعها خط واحد فتؤلف معنى متكامل منفردا.

وهنا يمكن تقسيم مجموع مرادفات الاستواء إلى شقين: الأول يجنح فيه ابن العربي إلى التأويل واخذ الآيات العرشية بالمعنى المجازي متابعا بذلك خط المعتزلة.

والثاني ينفرد به الشيخ الأكبر لأنه ثمرة من ثمار مذهبه في وحدة الوجود، وهاك التعريفين:

* * *

* الاستواء صفة الحق على العرش 10، لذلك تقبل التأويل 11 وقد يراد بها الاستقرار أو القصد أو الاستيلاء أو الثبوت 12. ..

يقول ابن العربي:

“ ( 1 ) الحمد للّه الكائن في العماء الموصوف بالاستواء. .. “ ( الاسفار عن نتائج الاسفار ص 1 ).

“ ولما كان الاستواء صفة للحق على العرش، وخلق الانسان على صورته جعل له مركبا سماه فلكا كما كان العرش فلكا، فالفلك مستوى الانسان الكامل وجعل لمن هو دون الانسان الكامل مركبا غير الفلك من الانعام. .. “ ( ف 3 / 162 ).

“ ( 2 ) ( والاستواء ) أيضا ينطلق على الاستقرار والقصد والاستيلاء، والاستقرار من صفات الأجسام فلا يجوز على اللّه تعالى الا إذا كان على وجه الثبوت، والقصد هو الإرادة وهي من صفات الكمال قال تعالى: ” ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ “ *[ 2 / 29، 41 / 11 ] اي قصد.

وقال تعالى :” اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ “ *[ 13 / 2 ] اي استولى 13. . “ ( ف 1 / 98 ).

والملاحظ ان هذا التعريف لكلمة “ الاستواء “ لا يغني مضمون الكلمة في الفكر الاسلامي فهو لم يفارق كثيرا المعنى اللغوي.

****

الاستواء هو الظهور والتجلي في المستوى عليه. فالمستوى حق، والمستوى عليه عرش - خلق.

والاستواء: تجلي وظهور.

هذا الاتجاه لتفسير الاستواء بالظهور لا يتضح بدقة من خلال نصوص الشيخ الأكبر، وان كان تلمسه ممكنا عبر الجو المحيط بكلامه والمشبع بهذا المضمون.

ففي كتابه “ الاسفار عن نتائج الاسفار “ يذكر أنواع الاسفار، ويهمن هنا السفران الأولان وهما: سفر رباني من العماء إلى عرش الاستواء الذي تسلمه الاسم الرحمن - وسفر الخلق والامر وهو سفر الابداع.

ونلاحظ من الجو المكتنف كلمة الاستواء انها تعني ظهورا وتجليا، وخاصة ان هذين السفرين فقط يبينان مرحلتي الظهور، فالأول الفيض الاقدس والثاني الفيض المقدس 14. اما بقية الاسفار فإنها بعد الوجود أو الظهور.

والآن بعدما لفتنا النظر إلى علاقة السفرين، بمرحلتي الفيض المشار اليهم وهما اللذان ساهما في ايضاح مضمون الاستواء. ..

نورد النصوص الآتية:

“ وكان سفر الرحمانية من العما الرباني إلى الاستواء العرشي موجودا عن الجود، وما دون العرش موجود عن، المستوى على العرش وهو، الاسم الرحمن. .. وهذ السفر روحه ومعناه السفر من التنزيه إلى سدرة التشبيه. .. “ ( كتاب الاسفار ص ص 10 - 11 ).

“. .. فلما كملت الأرض البدنية [ في الانسان بالتسوية ] وقدر فيه أقواتها وحصل فيها قواها الخاصة بها من كونها حيوانا نباتا، كالقوة الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة. .. استوى السر الإلهي الساري فيه [ الانسان ]. .. فهذا سفر أسفر عن محياه ودل على تنزيه مولاه ونتج ظهور العالم العلوي. .. “ ( كتاب الاسفار ص ص 13 - 14 ).

في حين ان ابن العربي ألغز وأشار 15 نجد الجيلي استفاد من إشاراته ثم أوضح فظهر معنى الاستواء والمستوى عند الشيخ الأكبر ،

يقول في كتابه الانسان الكامل:

“ وكان الاسم الرحمن هو الظاهر فيها [ في الربوبية ] بجميع مقتضيات الكمال على نظر تمكنه واعتبار سريانه في الموجودات، والاستيلاء حكمه عليها وهو استواؤه على العرش، لان كل موجود يوجد فيه ذات اللّه سبحانه وتعالى بحكم الاستيلاء، فذلك الموجود هو العرش لذلك الوجه الظاهر فيه من ذات الحق سبحانه وتعالى. .. واما استيلاء الرحمن فتمكنه سبحانه وتعالى بالقدرة والعلم والإحاطة من موجوداته، مع وجوده فيها بحكم الاستواء المنزه عن الحلول والمماسة، وكيف يجوز الحلول والمماسة وهو عين الموجودات نفسها فوجوده تعالى في موجوداته بهذا الحكم [ الاستواء ]. .. “ ( ج 1 ص 28 ).

كما يقول في نفس المرجع:

“ فكانت الربوبية عرشا، اي مظهرا ظهر فيها، وبها نظر الرحمن إلى الموجودات “ ( ج 1 ص 29 ).

ونجد إشارة مشابهة عند روزبهان البقلي الشيرازي حيث يقول:

“ فقلت: الهي ! ما معنى قولك :” الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى “( 20 / 5 ) ؟

فقال تعالى: إذا تجليت فلذلك استوى عليه “ 16.

..........................................................................................

( 1 ) يقول البيضاوي في شرح الاستواء: “ ثم استوى إلى السماء، قصد إليها بإرادته من قولهم استوى اليه كالسهم المرسل إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوى على شيء. وأصل الاستواء طلب السواء واطلاقه على الاعتدال لما فيه من تسوية وضع الاجزاء. .. ومثل استوى اي استولى وملك. . “ [ أنوار التنزيل ج 1 ص 19 ].

( 2 ) راجع أنوار التنزيل ج 2 ص 186 ،

( 3 ) انظر المرجع السابق ج 2 ص 224 ،

( 4 ) المرجع السابق ج 2 ص 235 ،

( 5 ) انظر المرجع السابق ج 2 ص 96 ،

( 6 ) انظر المرجع السابق ج 1 ص 254 ،

( 7 ) المرجع السابق ج 2 ص 21.

( 8 ) لقد توسع علم الكلام في مسألة الاستواء التي يسميها “ العرشية “، وهي مرتبطة عند علماء الكلام والفقهاء بموقفهم من الصفات.

فبينما يعارض ابن حنبل المعتزلة التي تؤول كل الآيات التي تشير إلى العرشية والاستواء.

نجد الجهم بن صفوان يتشدد في انتقاد مقاتل بن سليمان وآرائه المشبهة ويجنح إلى التأويل فيفسر الاستواء بالاستيلاء، وغيره من التأويلات التي تقبله اللغة.

واثر موقف الجهم من مقاتل اتسعت رقعة الخلاف والجدل في هذه المسألة، وانقسم الفرقاء شقين: الأول وعلى رأسه المعتزلة يرى أن اللّه سبحانه وتعالى ل يجوز ان يحده مكان، والاستواء تحديد في مكان وان كان يعلو البشر وقد اقتفى اثر المعتزلة الجويني والامامية والحلاج. والشق الثاني وفي مقدمتهم أحمد بن حنبل - يتبعه المشبهة والحشوية - يعارض المعتزلة ويرفض الا الاخذ بحرفية الآيات التي تشير إلى العرشية.

اما موقف ابن العربي كما سنرى، فقد تميز وانفرد عن الخط المتجانس الذي سبقه وان كان في جذوره يعود إلى تأويلات المعتزلة. فالمعتزلة في موقفها من الاستواء مهدت لوحدة الوجود، لأنها أشارت إلى عدم جواز حصر اللّه في مكان.

بل هو في كل مكان. وهذا ما بذر الوحدة الوجودية في الفكر الاسلامي.

فليراجع:

- ماسينيون :La passion dAl Hallaj lib. Orientaliste Paul Geuthner T 2 P. 597 et P 634- سيف الدين الآمدي، غاية المرام في علم الكلام، تحقيق حسن محمود عبد اللطيف القاهرة


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!