الاصطلاحات الصوفية
ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم
260. – الذّوق
في اللغة:
“ الذال والواو والقاف أصل واحد. وهو اختبار الشيء من جهة تطعّم، ثم يشتق منه مجازا. .. وفي كتاب الخليل: كل ما نزل بانسان من مكروه فقد ذاقه “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ ذوق “ )
في القرآن:
ورد الأصل “ ذوق “
في القرآن:
- اعتبار الشيء من جهة تطعّم:
قال تعالى: ” فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما “( 7 / 22 )
- الذوق مجازا.
قال تعالى :” كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ “( 4 / 56 ).
عند الشيخ ابن العربي:
“ الذوق “ على بساطته، له خطورة كبرى في بنيان العرفان الصوفي لأنه:
- يمثل “ نقطة الفصل “ في كل حوار معهم. من حيث إنه يمت بشكل لاصق للتجربة الصوفية، بل كل “ ما لا يمكن المشاركة فيه “.
في “ الذوق “ ينفصل الصوفية بمنطقهم الخاص جاعلين منه سدا في وجه: غير الذائق.
- “ الذوق “ عندهم طريق العرفان، وحيث إنه لا يمكن معرفة ما ينتج عن الذوق إلا: بالذوق، لذلك انحصرت قناعة هذ العلم بالذائق.
ومن ابرز الأدلة على هذه النقطة الأخيرة، قصيدة “ ابن بنت الميلق “ الهائية
الشهيرة، التي لا يدانيها شهرة في الأوساط الصوفية إلا “ رائية “ أبو مدين 1.
يقول في مطلعها:
” من ذاق طعم شراب القوم يدريه *** ومن دراه غدا بالروح يشريه.
وذو الصبابة لو يسقى على عدد الأن *** - فاس، والكون كأسا ليس يرويه “
ولم يكن الشيخ ابن العربي بعيدا عن هذا الحوار “ السلوكي “ ومذهب القوم فيه.
****
يناقش الشيخ ابن العربي أولا “ الذوق “ عند الصوفية، وماهيته. بم نعهده فيه من استيعاب لدقائق سلوكهم وعرفانهم.
يقول في تعريف “ الذوق “ عندهم:
“ أن الذوق عند القوم [ - الصوفية ]: أول مبادئ التجلي، وهو حال يفج العبد في قلبه، فإن أقام نفسين فصاعدا كان: شربا. وهل بعد هذا الشرب ري أم لا. فذوقهم [ - الصوفية ] في ذلك مختلف “ ( ف 2 / 548 ).
ويشرح الشيخ ابن العربي مراد الصوفية من تعريفهم الذوق بالتجلي ،
قائلا:
“ اعلم أن قولهم “ [ الذوق - ] أول مبادي التجلي “ إعلام، ان لكل تجل مبدأ هو: ذوق لذلك التجلي ؛ وهذا لا يكون إلا إذا كان التجلي الإلهي في الصورة أو في الأسماء الإلهية أو الكونية ليس غير ذلك.
فإن كان التجلي في المعنى فعين مبدئه: عينه، ما له بعد المبدأ حكم يستفيده الانسان بالتدريج، كما يستفيد معاني تلك الصورة المتجلى فيها. .. “ ( ف 2 548/ ).
وهكذا يربط الصوفية الذوق بالتجلي ويجعلونه قبل الشرب والري.
***
ويتابع الشيخ ابن العربي نهج ربط الذوق بالتجلي، فيقيم علاقة جدلية بينه وبين التجلي المحكوم للرياضة والمجاهدة. من ناحية، الذوق يعطي التجلي:
التنظير، والتجلي من ناحية ثانية، يعطي الذوق: صبغته.
يقول:
“ إن الذوق يختلف باختلاف التجلي، فإن كان التجلي في الصور فالذوق:
خيالي، وإن كان في الأسماء الإلهية والكونية فالذوق: عقلي.
فالذوق الخيالي أثره في النفس، والذوق العقلي أثره في القلب فيعطي حكم اثر ذوق النفس المجاهدات البدنية من الجوع والعطش. .. ويعطي حكم ذوق العقل الرياضات
النفسية وتهذيب الأخلاق “ ( ف 2 / 548 - 549 ).
****
ينتج عن ارتباط الذوق بالتجلي، ان العلوم الناتجة عن التجلي كافة هي: علوم ذوقية.
“ فالذوق “ أصبح إشارة إلى:
تنظير التجربة، أو المذهب الناتج عن تجربة صوفية معينة، أو كل ما يمت إلى العلوم التي حصلت بهذا الطريق [ - الذوق ].
فالذوق: لغة علم مشترك بين أصحاب التجربة الواحدة 2، وكل علم لا يكون عن تجل يبدأ بالذوق فليس من العلوم الذوقية.
يقول.
- الذوق: تنظير تجربة
“ وأكثر الناس على خلاف هذا الذوق، ولهذا لا ينتظم كلامهم “ ( ف 2 / 548 ).
“ فذوقهم في ذلك [ الري أو عدمه بعد الشرب ]، مختلف فيه “ ( ف 2 / 548 ).
- العلوم الذوقية عن تجل
“ فإنه قد يتخيل في الانسان انه إذا علم شيئا، فهو صاحب ذوق له. وليس الامر كذلك. فان الذوق لا يكون الا عن تجل. والعلم قد يحصل بنقل الخبر الصادق الصحيح “ ( ف 2 / 546 ).
ينتج في ضوء ما تقدم، لاختلاف الأنبياء في تجلياتهم، اختلاف في أذواقهم.
فهناك الذوق العيسوي والموسوي والمحمدي. .. الذي يؤثر بالتالي على اختلاف أذواق التابعين للأنبياء [ - القدمية، فلتراجع ].
يقول:
“ ولما علم الخضر، ان موسى - عليه السلام - ليس له ذوق في المقام الذي هو الخضر عليه.
كما أن الخضر ليس له ذوق فيما هو موسى عليه من العلم. الذي علمه اللّه. .. “ ( ف السفر 3 فق 217 - 1 ).
“ اعلم - أيدك اللّه بروح القدس -، انا قد عرّفناك ان العيسوي من الأقطاب، هو الذي جمع له الميراثان: الميراث الروحاني الذي به يقع الانفعال، والميراث المحمدي، ولكن من ذوق عيسى - عليه السلام - لا بدّ من ذلك. وقد بينا
مقاماتهم وأحوالهم. فلنذكر. في هذا الباب، نبذا من اسرارهم “ ( ف السفر 3 فق 338 ).
**
الذوق من الأحوال والمقامات عند الشيخ ابن العربي.
يقول:
“ ( 1 ) الذوق. .. وهو حال يفجأ العبد في قلبه “ ( ف 2 / 548 ).
“ الشرب بين مقام الذوق والري “ ( ف 2 / 549 ).
“ ( 2 ) ولكن ليس من شرط كل مقام، إذا دخله الانسان ذوقا، ان يحيط بجميع ما يتضمنه من جهة التفصيل “ ( ف السفر 6 فق 606 ).
..........................................................................................
( 1 ) قصيدة أبو مدين مطلعها:
ما لذة العيش الا صحبة الفقرا *** هم السلاطين والسادات والأمرا
( 2 ) يقول ابن الفارض:
” وعنّي بالتّلويح يفهم ذائق *** غنيّ عن التصريح للمتعنت “
( ديوان ابن الفارض ص 70 )
كما يقول في مكان آخر من تائيته لبيان ان علم الصوفية لا يحصل الا بالذوق والشرب:
” منحتك علما، إن ترد كشفه فرد *** سبيلي، واشرع في اتباع شريعتي
فمنبع صدّي من شراب، نقيعه *** لديّ. فدعني من سراب بقيعة “
( الديوان ص 60 )
.
حرف الراء
ر
.