الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


259.  – الذّكر

في اللغة:

“ الذال والكاف والراء أصلان، عنهما يتفرع كلم الباب. .. ويقال كم الذكرة من ولدك ؟ اي الذّكور. .. والأصل الآخر: ذكرت الشيء، خلاف نسيته. ثم حمل عليه الذكر باللسان. ويقولون: اجعله منك على ذكر. .. اي لا تنسه. والذكر: العلاء والشرف. .. “ ( معجم مقاييس اللغة مادة “ ذكر “ ).

في القرآن:

لقد عدد الترمذي نظائر “ الذكر “ في القرآن 1، حاصرا إياها في تسعة، وهي:

 - الصلاة: [“ إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ “( 62 / 9 ) ].

 - الخوف :. .. فمن اجل انه لا يهيج الخوف الا من الذكر، فإنما نسب إلى الخوف لأنه ذكر بالعز والعظمة.

 - الخبر :. . .” وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ “[ 19 / 41 ]

 - الحفظ: [“ وَلَقَدْ يَسَّرْنَ الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ “( 54 / 17 ) ]. ..

 - الوعظ :. .. لأنه لا يخلو الوعظ 2 من ذلك.

 - الشرف :. .. [“ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ “( 43 / 44 ) ]

 - القرآن :. . .[ “ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ “( 15 / 9 ) ]

 - الجهاد :. .. لأنه انما يجاهد عن “ لا اله الا اللّه “. .. فذلك الفعل هو ذكر.

 - أم الكتاب: وانما صار الذكر “ أم الكتاب “ الذي عند اللّه 3 لان جميع الكائنات إلى قيام الساعة فيها. .. “ [ تحصيل نظائر القرآن الترمذي ص ص 51 - 67 ].

عند الشيخ ابن العربي:

* نستشف عند شيخنا الأكبر ابعاد نظرة من سبقه إلى “ الذكر “ 4 ،

فالذكر:

حضور 5 يورث الشهود 6 والفتح 7 ( - الكشف ) - وهو القرآن.

يقول:

“ ( 1 ) فذكر اللّه المشار اليه: الحضور الذي هو ضد الغفلة. .. “ ( بلغة الغواص ق 3 ).

“ ( 2 ) فإنه تعالى جليس من ذكره 8، والجليس مشهود للذاكر، ومتى لم يشاهد الذاكر الحق الذي هو جليسه فليس بذاكر، فان ذكر اللّه سار في جميع العبد ل من ذكره بلسانه خاصة. .. “ ( فصوص 1 / 168 169 -).

” ( 3 ) تاه الفؤاد بذكر اللّه وابتهجا *** ولاح صبح الهدى للعبد وابتلجا

وأسرج اللّه من أنوار حكمته *** ومن معارفه في قلبه سرجا

فظل يفتح من أبواب رحمته *** على خليفته ما كان قد رتجا “

( الديوان ص 44 )

“ ( 4 ) والذكر 9: القرآن وهو أعظم الذكر، قال تعالى :” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ “[ 15 / 9 ] يعني القرآن. .. “ ( ف 4 461 /).

*****

لا يقف الشيخ ابن العربي عند حدود ما استفاده من التصوف السابق، بل تأبى اصالته المبتكرة الا ان تحلق في افاق لم تصل إليها رؤى غيره، فتستثمر كل الإرث الصوفي الفكري الاسلامي في نزعة توحيدية.

ونستطيع ان ننظر إلى الذكر من خلاله نظرات ثلاثا تعطي ابعاد موقفه:

( ) لا يختص الشيخ ابن العربي موقفا أو تلفظا أو حالا. . مميزا محدد باسم الذكر. بل كل ما في الوجود يذكّر بالحق: إذ نستطيع ان نعبر من خلاله إلى الحق. فكل موجود هو مجلى يوصل للمتجلى فيه. اذن: كل شيء وضعه الحق في الوجود مذكّرا.

وهذه أول رتبة من مراتب النظرة التوحيدية عنده: إذ انه هنا يوحد كل المظاهر ( من حيث إنها “ ذكر “ ) لاحدية الظاهر بها.

يقول:

“ قالت عائشة [ رضي اللّه عنها ] عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه كان يذكر اللّه على كل احيانه مع كونه يمازح العجوز والصغير، وكل ذلك عند العالم ذكر اللّه، لأنه ،

ما من شيء الا وهو يذكر باللّه. فمن رأى شيئا لا يذكر اللّه عند رؤيته فما رآه، فان اللّه ما وضعه في الوجود الا مذكرا. .. “ ( ف 4 / 10 ).

( ب ) ان الفاعل والمؤثر على كل وجه وفي كل شيء هو الحق.

في نظرية تقول بوحدة الوجود التي تستتبعها وحدة الفعل، اما الوجه الثاني للحقيقة الواحدة فهو وجه الخلق: وهو المتأثر في كل حال.

اذن: الذكر فعل للحق في محل هو العبد. وتنحصر همة العبد في التجرد الكلي عن كل تأثير لتهيئة المحل تهيئة كلية. فالحق هو الذاكر [ اسم الفاعل ] والعبد هو المذكور [ اسم المفعول ].

يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. ومتى ورد على الباطن ذكر 10 معين فليكن السالك ساكنا، لا يساعده بتفعّله بل يسكن ليكون المحل مذكورا لا ذاكرا.

فإذا اعطى الوارد قوته ذهب لنفسه. ومتى ساعدت الهمة 11 فاتصف العبد بأنه ذاكر، فذلك الذكر المعيّن.

فقد تقيد المحل وخرج عن التهيوء الكلي الذي يعطي الاطلاق. .. “ ( وسائل السائل ص ص 19 - 20 )

( ج ) في الفقرتين السابقتين استطعنا ان نلمس توحيد الشيخ ابن العربي لكافة مظاهر وجهي الحقيقة الواحدة مع احتفاظه بذاك التفريق بين الوجهين.

وهنا نلاحظ انه يرفع كل الحواجز الفاصلة بين هذين الوجهين ليتسنى لهم التداخل والامتزاج والتحقق بوحدتهما الشاملة.

فالذكر الذي يحمل في حناياه مفهوم الفقد والبعد والافتراق والتثنية بين الذاكر والمذكور.

ترفضه الوحدة الوجودية المسيطرة على كيان الشيخ الأكبر الفكري.

فالذكر هو الحضور مع الحق والفناء فيه والتحقق بالوحدة الذاتية معه، اذن ينتفي الذكر كنسبة بين ذاكر ومذكور ويسقط.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ الذكر حجاب عن المذكور بمنزلة الدليل 12، والدليل متى أعطاك المدلول سقط عنك. .. فمتى كنت مع المذكور فلا ذكر. ..

دع 13 الذكر والتسبيح ان كنت عاشقا *** فليس يديم الذكر الا المنافق

إذا 14 كان من تهواه في القلب حاضرا *** وأنت تديم الذكر كنت منافقا 15

بذكر اللّه تحتجب الذنوب *** وتحتجب البصائر والقلوب

وترك الذكر أفضل كل شيء *** فشمس الذات ليس لها غروب. .. “

( وسائل السائل ص ص 25 - 26 )

كما أنه يورد البيتين الأخيرين من هذا النص في ديوانه بكلمات مختلفة يقول:

” بذكر اللّه تزداد الذنوب 16 *** وتحتجب البصائر والقلوب

وترك الذكر أفضل منه حالا * فان الشمس ليس لها غروب “( الديوان ص ص 4 - 5 )

..........................................................................................

( 1 ) بخصوص الذكر في القرآن فليراجعExegese coraniqueص 36 - 37 ( مقاتل:

الذكر في القرآن - الصلاة، القرآن، الطاعة ) - ص ص 130 - 133 ( الذكر في القرآن عند الترمذي وقد لخصنا نظائره التسع في المتن ) - ص ص 306 - 307 ( الذكر عند الخراز ) كما يراجع فهرس الاصطلاحات مادة ذكر.

( 2 ) ربما أشار إلى الآية :” وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ “( 51 / 55 ).

( 3 ) ربما في ذلك إشارة إلى الآية :” ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ “( 3 / 58 ).

( 4 ) يراجع بشأن “ ذكر “ قبل الشيخ ابن العربي :Exegese coraniqueفهرس الاصطلاحات مادة ذكر.

- التجريد في كلمة التوحيد “ احمد الغزالي “ مطبعة البابي الحلبي ص ص 5 - 6.

- الغزالي منهاج العارفين ص 84.

- الترمذي. نوادر الأصول ص 72.

- الرسالة القشيرية ص 101.

- الحلاج. الطواسين نشر ماسينيون باريس 1913: طاسين النقطةVفقرة 18، 19.

وطاسين الأزل والالتباسVIفقرة 15.

كما تراجع النصوص التالية التي الحقها ماسينيون في كتابه :(Essai sur les origines du lexique technique)- التعرف الكلا بأذى فقرة: 32، 33، 34، 48.

- جوامع آداب الصوفية. السلمي، فقرة 3.

- حقائق التفسير. السلمي. فقرة: 2، 19، 53، 72، 110، 134، 150.

- الكرماني فقرة 1.

( 5 ) انظر “ حضور “ ( 6 ) انظر “ شهود “.

( 7 ) راجع “ فتح “. ( 8 ) انظر “ جليس الحق “.

( 9 ) بخصوص “ ذكر “ عند الشيخ ابن العربي فليراجع:

- الفتوحات ج 4 ص 36 ( الذكر والحضور )، ص 50 [ الذكر - القرآن ]، ص ص 429 - 430 [ الذاكرون ثلاثة أقسام: ذاكر قائم، ذاكر قاعد، ذاكر على جنبه. وهذ الترتيب قرآني :” الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ “( 3 / 191 ) ].

- وسائل السائل ص 5 - 6 ( ذكر العبد اللّه بنفسه - ذكر تنزيه، ذكر العبد اللّه باللّه - الذكر طاعة لامر الشارع )، ص 42 ( لا ينبغي للذاكر ان يشتغل بمعاني الذكر ).

- رسالة “ سر المحبة “ مخطوط دار الكتب المصرية.

( 10 ) يفرق القونوي بين صورة الذكر ومعناه وباطنه يقول:

“ فالانسان لا يزال مقبلا من صورة الذكر إلى معناه وباطنه، ومن التلفظ به إلى نطق القلب بذلك الذكر أو غيره، وباطن الذكر غير معناه وانه عبارة عن التوجه إلى المذكور من كونه مذكورا ومتوجها اليه، هكذا درجة فوق درجة وفي كل درجة يسقط منه جملة من احكام كثرته وصفات امكانه. .. “ ( التوجه الأولى ق 11 ).

انظر رسالة القونوي المذكورة خصوصا في كيفية الانتقال من ظاهر الذكر إلى باطنه. ثم الجمع بين ما بطن وظهر وما يؤدي اليه ذاك الجمع.

( 11 ) انظر “ همة “

( 12 ) ان الذكر حجاب يتمتع بكل ما للحجاب من صفات سلبية وايجابية انظر “ حجاب “.

( 13 ) الأصل “ فدع “ وهو خطأ ينكسر به الوزن.

( 14 ) الأصل “ فإذا “ وهو خطأ ينكسر به الوزن.

( 15 ) ان العاشق للجمال الإلهي لا يتسع قلبه لغيره، فالحق في قلبه متربع لا يترك لسواه مدخلا فالذكر انتفى في هذا الذاكر لأنه حاضر مع المذكور، ولا يذكر حاضر، فإن ذكره كان ذلك

مخالفة لحضور قلبه، اذن: نفاق.

( 16 ) ازدياد الذنوب بالذكر يحتمل معنيين: - ان الذكر يفترض الفقد الذي هو ذنب،

- ان الذكر يفترض تثنية بين الذاكر والمذكور لأنه اشراك المذكور في الوجود الذي يقفه الشيخ ابن العربي على الحق، وهذا الاشراك ذنب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!