الفتوحات المكية

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


261.  – مرآة

في اللغة:

“ الراء والهمزة والياء أصل يدل على نظر وابصار بعين أو بصيرة. فالرّاي:

ما يراه الانسان في الامر، وجمعه الآراء. .. والرّواء: حسن المنظر. والمرآة معروفة. .. والرّؤيا معروفة، والجمع رؤى “.

( معجم مقاييس اللغة مادة “ رأى “ ).

في القرآن:

 - الأصل “ رأى “ يدل على ابصار عين أو بصيرة .” فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي “( 6 / 77 )

قال تعالى: ” وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ “. ( 12 / 24 )

 - رئاء - وهو ان يفعل الانسان شيئ ليراه الناس.

” قال تعالى: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ “( 4 / 38 ).

 - الرؤيا.

قال تعالى :” يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ “( 12 / 43 ).

عند الشيخ ابن العربي:

لقد استثمر الشيخ ابن العربي صفة المرآة الوظيفية في صورة تمثيلية، شرح على أساسها أحد اشكال العلاقة بين الحق والخلق: مفسرا بذلك سبب الخلق من ناحية، وكيفية نشوء الكثرة عن الوحدة من ناحية ثانية.

وسرعان ما أينعت هذه الصورة التمثيلية رموزا ومصطلحات ( مرآة الحق. مرآة الخلق ) أغنت مفردات شيخنا الأكبر الفنية وسندرج مجمل نظرته إلى المرآة في نقطتين:

الأولى المرآة: صورة تمثيلية، والثانية المرآة: رمز ذو دلالات وايماءات.

* * *

* المرآة - صورة تمثيلية: وهي تفسر سبب الخلق ( 1 )، وكيفية نشوء الكثرة عن الوحدة ( 2 ):

( 1 ) استفاد الشيخ ابن العربي من صفة “ الترائي “ في المرآة ليقدم به إلى الفكر الانساني سببا لوجود العالم، فقد شاء الحق ان يرى عين أسمائه وصفاته فأوجد العالم: مرآة.

يقول:

“ لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى 1 التي لا يبلغها الاحصاء ان يرى أعيانها، وان شئت قلت إن يرى عينه. .. أوجد العالم كله وجود شبح مسوّى ل روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. .. فاقتضى الامر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة 2. .. “ ( فصوص 1 / 48 - 49 ).

( 2 ) حاول الشيخ الأكبر ان يبسط معضلة الوحدة والكثرة المتشاجرة بصورة تمثيلية [ الرائي والمرائي ]: فالحق واحد تتعدد صوره في المرائي، فالمرائي مظاهر لظاهر واحد هو الحق.

اذن الحقيقة الوجودية واحدة تتعدد صورها 3 وتجلياتها 4 ومظاهرها 5 ومرائيها، فهذه الكثرة هي كثرة اعتبارية لا مستندا حقيقيا لها اي لا وجودا حقيقي لها 6.

فالحق واحد يتكثر في مراتب التجلي وفي المرائي.

فتفاضل المرائي مشأ الكثرة المشهودة في العالم: فمرآة الانسان أفضل من مرآة العالم، وهي بذاتها تتفاضل فيما بينها لتفسح المجال في قمة التفاضل للمرآة المحمدية.

يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. ان الانسان: هو الكون باسره من حيث هو ثمرته، وهو سره من حيث انفراده عنه، لأنه مرآة تجلي الحق بالعالم بظهور أسمائه وصفاته. .. إذ لا يتم التجلي التام الكامل بكل الأسماء جملة الا بوجود آدم 7 اعني نوع الانسان. .. “ ( بلغة الغواص ق 12 ).

“. .. فان الأنبياء عليهم السلام أعدل مرآة منك [ العبد ]، ثم لتعلم ان الأنبياء قد فضل بعضهم بعضا فلا بد من أن يكون مرائيهم متفاضلة، وأفضل المرائي واعدلها وأقومها مرآة محمد صلى اللّه عليه وسلم فتجلى الحق فيها أكمل من كل تجل يكون، فاجهد ان تنظر إلى الحق المتجلي في مرآة محمد صلى اللّه عليه وسلم، لينطبع في مرآتك فترى الحق في صورة محمدية برؤية محمدية ولا تراه في صورتك. .. “ ( ف 4 / 433 ).

* * *

* المرآة رمز ذو دلالات وايماءات:

أولا: يضع الشيخ ابن العربي وجهي الحقيقة الواحدة ( حق - خلق ) في تقابل ترائي:

الحق - مرآة الخلق، والخلق - مرآة الحق.

ونلاحظ ان المرآة في اضافتها إلى الخلق تأخذ بعدا عرفانيا، وفي اضافته إلى الحق تأخذ بعدا انطولوجيا.

( ) الحق - مرآة الخلق - مرآة الحادث:

هنا نتعرض إلى مسألة “ رؤية الحق “ وموقف الشيخ ابن العربي منها.

ففي نظرية تؤمن بالوحدة الوجودية، وفي بنيان وجودي يرجع كل شيء إلى الحق حيث ما ثمة الا الحق وأسماؤه وصفاته. لا معنى للسؤال التقليدي: هل رؤية الحق جائزة في هذه الدنيا ؟ فالعارف المحقق يرى الحق في كل شيء، إذ كل شيء هو مجلى للحق. ولكن ليست هذه الرؤية هي المقصودة في السؤال التقليدي السابق، بل رؤية الحق في مرتبته وليس في تجلياته. فهل هذه الرؤية حاصلة عند الشيخ ابن العربي ؟

ان رؤية الحق في مرتبة ألوهيته لا تحصل للعبد، بل في قمة عرفان العبد، لحظة يتهيأ لرؤية الحق لا يرى الا حقيقته وصورته 8 هو [ صورة العبد ] ؛ ولذلك يقول الشيخ ابن العربي: ان الحق مرآة العبد في رؤية نفسه. وقمة رؤية الحق هي رؤيته: بالرؤية المحمدية في الصورة المحمدية 9.

يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. فصحّ على الحادث من حيث هو حادث فقير متأخر، وانه مرآة القديم الذي هو الواجب في رؤيته أسمائه، وعلى القديم انه مرآة الحادث في رؤيته نفسه اي في بروزه له وليس أحدهما غير الآخر. .. “ ( بلغة الغواص ورقة 103 ).

“ فهو [ تعالى ] مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته أسمائه، وظهور احكامها وليست سوى عينه. .. “ ( فصوص 1 / 62 ).

“. .. والحق مرآة الرجل الكامل. .. والحق مرآة للخلق. .. “ ( ف 4 / 430 ).

“ ان الحق مرآة العالم فلا يرون فيها غير ما هي صورهم عليه وهم في صورهم على درجات. .. “ ( ف 4 / 42 ).

( ب ) الخلق - مرآة الحق - مرآة القديم ( انظر المعنى الأول )

ثانيا: استعمل الشيخ ابن العربي عبارة “ مرآة الحق “ التمثيلية ( انظر المعنى الأول )

رمزا يدل: على العالم باسره: من حيث إنه مجلى الهي لا يرى فيه العارفون الا صورة الحق - وعلى حضرة الانسان بصورة عامة، والانسان الكامل أو القطب بصورة خاصة، من حيث إنه مظهر تجلي الحق سبحانه في أسمائه الحسنى - وعلى الحقيقة القلبية: من حيث إنها تتسع لتجلي الحق.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ( 1 ) العالم مرآة الحق “ ( ف 4 / 430 )

“ فالعالم. .. مرآة الحق فما رأى العارفون فيه الا صورة الحق. .. “ ( ف 2 / 449 ).

“ ( 2 ) والمرآة حضرة الانسان. .. “ ( ف 3 / 239 )

“ فالعالم [ الانسان الموصوف بالعلم ] مرآة الحق، ولا يكون العارف ول الفقيه مرآة له تعالى 10. .. “ ( ف 4 / 54 ).

“ فاما القطب وهو عبد الجامع فهو المنعوت بجميع الأسماء تخلقا وتحقق وهو مرآة الحق 11 ومجلى النعوت المقدسة ومجلى المظاهر الإلهية. .. “ ( ف 3 / 573 ).

” ( 3 ) قلب المحقق مرآة فمن نظر * يرى الذي أوجد الأرواح والصورا

إذا أزل صدا 12 الأكوان واتحدت * صفاته بصفات الحق فاعتبرا. .. “( الديوان ص 17 ).

..........................................................................................

( 1 ) “ راجع “ اسم الهي “

( 2 ) من حيث إن الانسان وحده من دون سائر المخلوقات هو المظهر الأتم والأكمل للحضرة الإلهية.

( 3 ) انظر “ صورة “

( 4 ) انظر “ تجلي “.

( 5 ) انظر “ مظهر “

( 6 ) انظر “ خلق جديد “

( 7 ) بهذا المعنى يفهم الشيخ ابن العربي الآية القرآنية :” وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها “[ 2 / 31 ]، علم اللّه آدم الأسماء: تجلى بها فيه [ تجليا وجوديا ] وعليه [ تجليا عرفانيا ] راجع: تجلي.

( 8 ) يراجع للتأكد مما ذهبنا اليه بخصوص “ الرؤية “ عند الشيخ ابن العربي:

- الفتوحات ج 2 ص 129، 495، 496.

- الفتوحات ج 3 ص 479.

- الفتوحات ج 4 ص 2.

- انشاء الدوائر ص 13.

- فصوص الحكم ج 1 ص 71.

- كتاب الكتب ص 48، 51.

- التجليات ص 49.

- الاسفار ص 21.

( 9 ) يقول الشيخ ابن العربي: “ ورغبتنا. .. في رؤية الحق بالرؤية المحمدية، في الصورة المحمدية، فإنها أتم رؤية وأصحها وأصدقها “ ( ف 4 / 203 ).

( 10 ) من حيث إن “ العالم “ من الأسماء الإلهية وتطلق على الحق وعلى الانسان، على حين ان العارف والفقيه أسماء لا تطلق على الحق.

( 11 ) يراجع بشأن “ مرآة “ عند الشيخ ابن العربي:

- مشاهد الاسرار القدسية ورقة 25، ورقة 51، ( أنت مرآتي ).

- مرآة العارفين ورقة 4 ( مرآة - مظهر، مجلى، منصة. .. )

- بلغة الغواص ورقة 12 ( العالم مجرد من آدم مرآة غير مجلوة )، ق 21 [ محمد صلى اللّه عليه وسلم - المرآة التامة ] ورقة 58 ( مرآة أسماء اللّه ).

- ف ج 1 ص 163.

- ف ج 2 ص 431 ( مرآة الغيب )، 549 ( الرائي والمرائي ).

- ف 3 ص 449 ( مرآة الحق )

- ف ج 4 ص 203 ،

- فصوص الحكم ج 2 ص 7، 24، 146، 267، 268، 320.

كما يراجع: - الغزالي. ميزان العمل ص ص 40 - 41.

- اصطلاحات الصوفية. عز الدين عبد السلام بن غانم المقدسي: ق 82 ( مرآة الكون ). ق 87 ( المرآة الروحية والقلبية ). - تأويلات القيصري ق 165 ب.

- علم التصوف. النوري ورقة 59 ب.

- لطائف الاعلام مادة: مرآة الكون - مرآة الوجود - مرآة الحضرتين - مرآة الذات والألوهية معا.

( 12 ) الأصل “ صدى “.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!